لتكشف ان سعيد يبحث ككل السياسيين عن تقديم « منجز » يمكنه من بناء سردية جديدة.
سردية لا يمكن لها ان تقوم وتقاوم مغايرتها إلاّ ان قامت على «منجز» اي على انجاز ينتظره الشعب/ الشارع، وهنا ان وقع النظر لخطوات الرئيس واعتبارها بمثابة فتات الخبز الذي يقودنا للوجهة التي ترغب فيها الرئاسة.
فبالعودة إلى اولى الاوامر الرئاسية الصادرة اثر تفعيل للفصل 80 من الدستور وتعليق اشغال البرلمان واعفاء رئيس الحكومة الاسبق هشام المشيشي، نجد ان ثاني امر رئاسي كان «إحداث قاعة عمليات لإدارة جائحة كوفيد 19» وهنا يتزامن صدور هذا الامر بلقاء الرئيس قيس سعيد بسمير ماجول رئيس منظمة الاعراف وحديثه معه عن التخفيض في الاسعار واستعادة الاموال المنهوبة.
هذا التزامن ليس مصادفة. بل هو جوهر السردية التي تشرع الرئاسة في رسم عناصرها والتي تنتهى الى ترسيخ صورة ذهنية مفادها ان الدولة حينما تسير من قبل «رأس» واحد يمكنها ان تحقق الكثير. وهذا بتوفير مناخ للمقارنة بالوضع السابق والاستناد للأخطاء التي وقعت فيها الحكومة السابقة وحزامها البرلماني.
فسردية الرئيس تقوم على «منجز» يتعلق بمجابهة الكوفيد واستعادة الشعب لثروته من وجهة نظر الرئيس، وهنا يحتاج الرئيس الى ان يحقق انتصارات تبين الفرق بينه وبين من كان قبله، والقصد بينه وبين الحكومة والبرلمان.
فان كان الشارع انتفض ضد الحكومة والبرلمان على خلفية سوء ادارة الازمة الصحية بالاساس، فان الرئاسة تريد ان تقدم له نفسها كبديل تمكن من السيطرة على الوباء، لهذا فان كل الخطوات والتحركات والتركيز كان منصبا لتحقيق هذا الهدف ورفع نسق حملة التلقيح للوصول الى مناعة القطيع.
لهذا وقعت برمجة يوم وطني للتلقيح في 8 من اوت الجاري، ووضع رهان كبير عليه بهدف الوصول الى تلقيح مئات الالاف من التونسيين في اول يوم. على ان يقع الوصول الى هدف تطعيم 3 ملايين تونسي ممن تجاوز سنهم الـ40 سنة بنهاية شهر اوت الجاري.
هدف استعدت له الرئاسة جيدا لتوفر خلال هذا الشهر 8 مليون جرعة لقاح مع استمرار مساعى توفير جرعات اضافية لتلقيح جل التونسيين وفق وليد الحجام المستشار لدى الرئاسة، وهذا ما يفسر حرص الرئاسة خلال الايام اللاحقة للإعلان عن الاجراءات الاستثنائية على نشر بلاغات استقبال جرعات اللقاح وتقديم أعدادها قبل ان تعلن في 2 من اوت الجاري انه وتبعا لتوفّر ملايين الجرعات من التلقيح ضد كوفيد 19 « أذن رئيس الجمهورية بتنظيم يوم وطني للتلقيح لفائدة المواطنين والمواطنات البالغ عمرهم 40 سنة فما فوق، وذلك يوم الأحد 08 أوت 2021 بكافة ولايات الجمهورية».
هنا يتضح جليا ان الرئاسة جعلت اولويتها مجابهة الجائحة وتوفير اللقاح للتونسيين. وبغض النظر عن كيفية تسويق الامر، فالجلي ان البعد السياسي حاضر في الامر، فالرئاسة تبحث عن قاعدة تنطلق منها في باقي مسارها السياسي اي كيف ستدير المرحلة القادمة ووفق اي تصورات وخطط.
ولتحقق ما ترغب فيه وتضمن الدعم في الشارع عليها ان تقدم له «انتصارا كبيرا»، وهو ما يبدو انها ستحققه باليوم الوطني للتلقيح. الذي تراهن على ان يكون ناجحا لتستثمره في بقية مسارها وتدرك ان الانتصارات الاخرى، من قبل تخفيض بعض الاسعار لن تكون بذات الوقع لعدة اعتبارات من بينها ان التخفيض محكوم بهامش اقصاه لن يحس فعليا من قبل المواطن.
وعليه فان الانتصار الاكبر هو نجاح اليوم الوطني للتلقيح الذي سيكون القاطرة الدافعة للرئاسة ومنصة الاعلان عن خطواتها القادمة. وهذا بدوره يتجلى ضمنيا في تصريحات وليد الحجام الملحق بالدائرة الدبلوماسية برئاسة الجمهورية لإذاعة «شمس اف ام» حينما اشار الى أن تونس تعيش ازمة دستورية وسياسية وصحية و« أخلاقية أيضا».
ازمات يقول الحجام انها ستؤخذ بعين الاعتبار في رسم خارطة الطريق التي ستكون وفق الأولويات وهنا يتضح ان الاولوية الاولى هي معالجة الازمة الصحية ومن بعدها بقية الازمات السياسية والدستورية. وهذا يساعد بداية فهم تمشي الرئاسة، اذ بات جليا ان الرئاسة تتجه الى اتخاذ قرارات وإجراءات تعتبر انها لا يمكن ان تمر دون تهيئة مناخها، اي تهيئة الشارع وكسبه في صفها اولا ليكون ورقتها الاقوى في المعادلة لتنتهي بتنزيل خارطة طريقها قيد التنفيذ وليس النقاش والحوار مع بقية الاطراف.
تمش يكشف ان الرئاسة ستدير المرحلة القادمة باليات وأدوات مختلفة عن المرحلة الفارطة، اي ان الاعلان عن هوية الحكومة الجديدة وصلاحياتها وكيفية ادارة المرحلة الاستثنائية والانتقال بها الى مرحلة الاستقرار مرتبط بنجاح الرئاسة في تقديم «الانتصار» اي النجاح في حملة التلقيح.
الحملة الوطنية للتلقيح : سردية النجاح التي تحتاجها الرئاسة
- بقلم حسان العيادي
- 11:14 07/08/2021
- 1693 عدد المشاهدات
اليوم وبأخذ مسافة زمنية باتت رؤية المشهد اكثر وضوحا عما كانت عليه، اذ انقشع الغبار واتضح الخيط الرباط بين تحركات الرئيس منذ 26 جويلية،