ما بعد 25 جويلية: أية قدرة للأحزاب والمنظمات على احداث التوازن ؟

تتباين المواقف والآراء من قرارات رئيس الجمهورية المعلن عنها في 25 من جويلية الفارط وما بعده ، ولكن الثابت في الامر

هو ان البلاد عاشت منذ تلك الليلة على وقع امر غاية في الاهمية له انعكاسه المباشر على مستقبلها القريب.
الانعكاس يتجلى بشكل مؤقت في المشهد السياسي والصورة التي في طور التشكل في ظل انقسام في تقييم لجوء الرئيس سعيد للفصل الـ80 من الدستور وإخضاعه لقراءة متوسعة، انتهت اليوم - بعد مرور 9 أيام عن اعلان الرئيس تعليق اختصاصات البرلمان ومنع بشكل غير مباشر أشغاله. وإقالة الحكومة وتولي الرئاسة كل مقاليد السلطة التنفيذية- الى انطلاق رسم جديد لخارطة سياسية.
هذه الخارطة تقوم بالأساس على الرئاسة والموقع منها في علاقة بتفعيل الفصل 80 من الدستور وتصنيف الفاعلين السياسيين للأمر. في تباين للآراء والمواقف الذي انتقل ليشقّ صفوف الاحزاب والمنظمات الوطنية التي تبحث اليوم عن فهم ما يحدث في ظل ضبابية الصورة اذ ورغم مرور هذه الايام التسعة لم يعلن بعد قيس سعيد عن أي خارطة طريق او تصوره للانتقال من الوضع الاستثنائي الى الوضع الطبيعي وكيف ستتم هذه العملية ووفق اي مراحل وخطوات ، فقط بعض القرارات المتعلقة بالإعفاءات او إثارة دعاوى قضائية وبلاغات اعلامية يعلن فيها عن مواقف دولية داعمة له.
صورة لا يتضح منها إلا ما يمكن ان يختزل بـ«مستفدين» و«متضررين» من خطوة الرئيس واحتكاره للمبادرة السياسية. فبشكل كلي وجلي المستفيد الوحيد من تفعيل الفصل 80 كان رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي نجح في ان يجعل كل اوراق الفعل السياسي والقدرة على المبادرة تحت يده ويكون الرجل الاقوى في المشهد السياسي الراهن والقادم.
سعيد فقط هو المستفيد خاصة وانه يجد دعما من الشارع الذي بات مفتونا به اكثر مما كان عليه غداة انتخابه في 2019، كما انه نجح في ان يسوق لسرديته القائمة على ان ازمة البلاد من ابرز اسبابها المؤسسات التمثيلية التقليدية كبرلمان والأحزاب بشكل عام.
هيمنة هذه السردية وقدرتها على مغازلة الشارع هي من اول مكاسب سعيد الذي ورغم ضبابية خطواته وعدم اتضاح الرؤية التي يتبعها في قيادة البلاد في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها تجعل من الرئيس اقرب من اي وقت مضى إلى تحقيق مشروعه السياسي القام على تجاوز النخب السياسي التقليدية.
فسعيد هنا يراهن على ان ينتقل بالدعم الشعبي له الى حراك سياسي منتظم في اشكال جديدة تمكنه من تنزيل مشروعه السياسي على الارض ويضمن له مشاركة في الانتخابات القادمة توفر له ارضية دستورية وسياسية والاهم بالنسبة له ارضية جماهرية تنتصر اليه متى احتاج إلى دعمها وهو ما يجعله اليوم في موضع قوة قد يرتكز عليها ليعلن انه معفى من الاستجابة او الخضوع لمطالب الاحزاب والمنظمات بالإعلان عن خارطة طريق يشرح بها كيفية الخروج من الوضع الحالي والذهاب الى استقرار سياسي بمؤسسات دستورية اذ ان سعيد استفاد من تعفيل الفصل 80 بكونه بات الوحيد المتحكم بالمبادرة السياسية والقادر على تنزيل اي تصور على ارض الواقع وهو ما يجعله اليوم اللاعب الوحيد في المشهد السياسي وفي الحكم مقابل هياكل تمثيلية وسيطية هي الاحزاب والمنظمات التي تضررت باشكال متفاوتة.
فاحزاب الحزام السياسي لحكومة المشيشي المشكلة للأغلبية البرلمانية وجدت نفسها اليوم امام مصير لم تكن تتوقعه ولا هي مستعدة له مما جعلها في تخبط انعكس في انفراط عقد التحالف بين مكوناته وفي محاولة كل طرف النجاة بمفرده.
افراط عقد الاغلبية لم يكن هو التداعي الوحيد فاحزاب هذه الاغلبية وكتلها البرلمانية المجمدة اليوم تعيش على وقع ارتدادات تفعيل الفصل 80 بصراعات داخلية احتدمت في ظل تلويح بالمراجعات الداخلية واستيعاب الدرس.
لكن هذا التلويح بالتوجه الى مراجعات واستيعاب ما حدث في 25 جولية من تقاطع بين شارع يحتج وينتفض على الحكومة والاغلبية البرلمانية وتحرك الرئيس وتفعيل الفصل 80 من الدستور لا ينعكس بشكل فعلي في الخطاب السياسي او في المناورات التي تجريها هذه الاحزاب.
فبشكل جلي يتضح ان لا احد ادرك بعد اننا في مشهد سياسي جديد يرتفع فيه منسوب تهيدد الاحزاب بالأساس في وجودها وتحجيم ادوارها حتى تلك الاحزاب التي اعلنت عن دعم الرئيس وخياراته.
فالمشهد الحالي قدم خلاصة مهمة وهي ان المنظومة الحزبية والسياسية برمتها قد بلغت مراحل من الضعف تجعلها اليوم عاجزة عن ان تكون قادرة على لعب دور القوة المقابلة القادرة على فرض توازن في المشهد مقابل الرئيس .
هذا سيجعلها عاجزة عن فرض مسارات او دفع الرئيس لتبنى خارطة طريق يبدو انه يرفضها، وهو ما تكشفه الخطابات التي يلقيها الرئيس او البلاغات الاعلامية التي تكتفي بالتلميح الى اجراءات وقرارات في غياب كلي لأي تلميح لخارطة طريق او حوار او حل سياسي تكون فيه الاحزاب والمنظمات جزءا من المشهد.
وهنا توضع هذه الاحزاب والمنظمات امام سؤال جوهري وهو كيف ستتعامل مع الوضع إذا رفضت الرئاسة وضع خارطة طريق للانتقال من الوضع الاستثنائي الى الطبيعي، واية قدرة لها على ان تكون قوة مقابلة تستطيع فرض تنازلات على الرئاسة؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115