بعد «أوف» زفرة الإنفراج: ماذا في فرصة الإنقاذ.. ؟

لم تكن صبيحة يوم 25 جويلية 2021 كمسائه، إذ كان الناس يتابعون أخبار الحراك في باردو و في العديد من المدن بخصوص التعامل مع المظاهرات والاحتجاجات

وفي الغضب المعبر عنه ضد المنظومة الحاكمة الّتي كان منطلقها الاحتجاج على الإعلان علي التعويضات الّتي بشر بها رئيس مجلس شورى حركة النهضة في لهجة التهديد و الوعيد ضد الحكومة الّتي تدعمها حركته.
لا شيء كان يدلّ للمتابع للشارع التونسي،عن مظاهر الاحتفال بعيد الجمهورية، فلا أعلام ولا تظاهرات خطابية احتفالية . فقط، ضيق تحتبسه الأفئدة، قنوط وقهر بسبب فيروس كورونا و فيروسات السياسات الفاشلة، إلى حين قدوم المساء و إطلالة رئيس الجمهورية ليعلن عن القرارات الّتي إتخذها وعن الإجراءات والتدابير الإستثنائية الّتي أعلم الشعب بها، لتنطلق زفرة الإنفراج ولتمتلئ أغلب الشوارع بالمعبرين عن الفرحة، رغم التخوف الّذي ظلّ يرافقهم طيلة ليلة 26 جويلية 2021 والساعات الّتي تلته .
لقد كان المشيشي رئيس الحكومة ينتظر أن تتخلى عنه حركة النهضة الّتي بدأت تبحث عن طريق للتخلص منه ولكن ما حصل أن الكلمة الفاصلة جاءت من رئيس الجمهورية الّذي سبق أن منحه ثقته لكنه تنكر لها ، وركب «طواحين الريح» كما أكدنا ذلك (إفتتاحية 7 مارس 2021 )
لقد وقع الحديث عن الفصل 80 من الدستور في أكثر من مناسبة و لكن وقع استبعاد اللّجوء إليه لإرتباطه بشروط يصعب توفرها في ظل المنظومة المنطبقة، غير أن رئيس الجمهورية لجأ إليه عندما ضاقت السبل أمام وضع دائم التأزم ، ليعلن عن حالة الخطر الداهم المهدّد لكيان الوطن والذي يتعذّر معه السير العادي للدولة و هي الحالة الإستثنائية ، الّتي حُدّدت مبدئيا بثلاثين يوما ما لم تزل أسبابها . وتبعا لذلك قرر رئيس الجمهورية إعفاء رئيس الحكومة و تجميد أعمال مجلس نواب الشعب و توليه ممارسة مختلف صلاحيات السلطة التنفيذية و الإضطلاع بمهام النيابة العمومية (مؤقتا) و بدأ العمل بالمراسيم الرئاسية الّتي بموجبها صدر قرار إعفاء المشيشي من مهامه كرئيس حكومة و كوزير داخلية بالنيابة وإعفاء وزيري الدفاع والعدل وتعيين السيد خالد اليحياوي كوزير داخلية في انتظار تعيين رئيس و وزراء حكومة.
إستبعاد اللّجوء إلى الفصل 80 من الدستور خلال المدة المنقضية، و توهم إنغلاق جميع السبل القانونية للوقوف ضدهما ، زيّن للإئتلاف الحاكم وأغلبيته النيابية مزيد التعنت وتجاهل الغليان . فواصلت حركة النهضة ، إدارة شؤون البلاد حسب مشيئتها ممّا جعل زعيمها راشد الغنوشي الخريجي يصول ويجول ويتوسع في سلطاته في موقف مشجع لأتباعه في التصرف دون موانع مع لهجة في التحدي و التجاوز بشكل سافر مع اتساع رقعة الإفلات من العقاب في كل المجالات، بحيث ظلّ الهاجس الوحيد هو البقاء في السلطة و التفرد بها دون الاستماع إلى أي صوت آخر
هذا التعنت الّذي جعل مجلس النواب حلبة للتجاوز بكل أشكاله، والتشريع بما تراه «الأغلبية التي كانت تمسكها النهضة ومؤيدوها» بكل السبل والطرق بما في ذلك إطلاق يد أتباعها والمتمتعين بحمايتها لإتيان أي تجاوز و لو كان في ذلك إضعاف للدولة وتدني هيبتها لدى العموم والتهرب من العقاب، إلى درجة جعلت رئيس الجمهورية يثير حالة الخطر الدّاهم ، بإعمال هذا الفصل لاعتبارات تتجاوز حرفية النص ليستمدّ من روحه موقفا سياسيا يسعى إلى تجميع القوى السياسية والإجتماعية الفاعلة حوله ، في محاولة ترقى إلى «المغامرة « لتغيير الواقع المتردي للبلاد في ظروف صعبة جدّا .
ما ينتظره المتفائلون بما جدّ يوم 25 جويلية 2021 تغيير الواقع و يأملون بألا ّ يكون ذلك بإعادة نفس السياسة و لو بشعارات مختلفة، أو بشعبوية «خادعة» تعالج الظاهر وتترك التغيير الحقيقي للواقع بأفكار جديدة خلاقة تبني للمستقبل بتطبيق القانون دون تشف ووضع دعائم حقيقية لدولة القانون والمؤسسات الّتي لا تتأثر بالفاعلين العابرين، وإنما ترتكز على الآليات الدائمة المحركة لمختلف المسارات بتفاعل وتناغم.
إن تجاوز الجدل القانوني على أهميته، لا يجب أن يكون عائقا دون البحث عن سبل التجميع لإخراج البلاد مما هي فيه ، وأخذ الدروس من العشرية السابقة الّتي تقهقرت بالدولة و كادت تفكّك أواصرها عن قصد للإنقضاض على السلطة واستبقائها دون الإلتفات إلى حاجيات الناس ومتطلبات حسن إدارة الدولة وخلق الثروات ومواكبة التطور الّذي تحتاجه البلاد .
إن ما أقدم عليه رئيس الجمهورية في هذا الظرف الصعب يجعله يتحمل مسؤولية كبيرة لإستغلال فرصة تصحيح المسار وذلك بالفعل الناجز الّذي تجني ثماره مختلف فئات الشعب الآن و كذلك الأجيال القادمة . فالإستجابة للطلبات الشعبية لا يعني مجاراتها دون واقعية ومضاعفة الوعود دون إدراك للقدرات الحقيقية للدولة و إمكانياتها ،و إنما يعني تغييرا ملموسا للحياة المعاشة و ممارسة فعلية لما يطمح إليه التونسيون من عيش كريم و عدل و رفاهة و تقدّم.
كل هذا يقتضي تجنب الارتجال والأيادي المرتعشة لإنجاز الرؤية أو البرنامج الّذي يريد رئيس الجمهورية دعوة الشعب وقواه الحية للإلتفاف حوله ،و هو السبيل الوحيد الّذي يمكن أن يغفر له أي خطأ إجرائي أو أي زلة عابرة ، يمكن أن تسُجل في أي مضمار كان ، و يكون ذلك بمخاطبة الشعب و عرض رؤية واضحة مبنية على التشاور و الحوار الجاد و بلغة واضحة لتجنب التأويلات الخاطئة أو التوسع فيها ، كما حصل عند القول بأن رئيس الجمهورية سيترأس النيابة العمومية والحال أن العارفين بالشأن القضائي؟ أن الأمر ظرفي جدّا ،و أن النيابة العمومية جزء من القضاء العدلي و تشملها الضمانات المكفولة له بالدستور ،و أن قضاة النيابة العمومية يمارسون مهامهم المقررة بالقانون و في إطار السياسية الجزائية للدولة طبق الإجراءات الّتي يضبطها القانون و ذلك حسب ما جاء بالفصل 115 من الدستور.
فالمنتظر هو الإنجاز و الكشف عن خارطة طريقة واضحة المعالم في أقرب الآجال ، ليتبين الجميع المرحلة الّتي تنتظرهم للوقوف على ما يعزّز الأمل و لتوسيع رقعة الإنخراط في إنقاذ البلاد ودرء المخاطر الّتي يمكن أن تهدّدها من كل المتربصين بها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115