المجلس الأعلى للقضاء: في ضرورة مصارحة التونسيين

هناك انطباع عام لدى التونسيين بأن الازمة باتت شاملة وقد طالت كل مؤسسات الدولة، ومن عناوينها القضاء التونسي الذي يواجه

اليوم اكبر تحد له، يتمثل في توفير شروط النزاهة التي من دونها سيفقد القضاء قدرته على تحقيق العدالة.
تحد تواجهه السلطة القضائية كما تواجهه بقية السلطات التونسية التي فقدت تباعا ثقة التونسيين وباتت محل سخطهم في ظل انطباع عام ان «الفساد» والاصطفاف السياسي والحزبي نخر البلاد وجعلها دويلات يقاتل بعضها بعضا. فعمت الرداءة وطالت كل شيء.
لكن السلطة القضائية هنا تختص عن بقية السلطة، ليس في طبيعتها ومهمتها بل في العقد الذي يربطها مع التونسيين، فهي علاقة تقوم بالأساس على ثقة وقناعة بان القضاء يستوفي شروط النزاهة التي تضفي قداسة على احكامه وفضه للخصومات والنزاعات.
عقد اليوم بات محل تمحيص، فالجسم القضائي كما باقي القطعات التونسية اصابه الوهن والانقسام والاختراق السياسي، وهذا الانطباع يتعزز يوما بعد يوم في ظل تصريحات تصدر عن قضاة بالاساس على غرار ما صدر عن روضة قرافي الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين.
فالقاضية روضة قرافي أعلنت بشكل رسمي عما كان يختمر في افئدة التونسيين. وهي ان جزءا من القضاء التونسي بات كما تصفه «قضاء كلوارات» وهنا المعنى والقصد بين انه قضاء التعليمات.
وما المثال الذي قدمته القاضية قرافي، قضية نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس الداعم لحكومة المشيشي، الا عينة لتعلن بها ان القضاء لا يتعامل بمساوة مع التونسيين، فهناك قضاء لعموم الشعب وهناك قضاء للمتنفذين وخاصة السياسيين.
قضاء للسياسيين يرتكب إخلالات تنسف العدالة وتؤسس للتبعية بين السلطة القضائية والتنفيذية تقوم على المنفعة المتبادلة، وهو ما تشير اليه قرافي بتلميحها الى ان من وقف خلف الاخلالات هو رئيس محكمة التعقيب الطيب راشد الذي احيل على لجنة التأديب لدى المجلس الاعلى للقضاء العدلي.
وهنا وجب التذكير بمن هو الطيب راشد، رئيس محكمة التعقيب الذي احيل ملفه على مجلس التأديب اثر صراعه مع ووكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية بتونس البشير العكرمي. وتقدم كل منهما بشكوى ضد الاخر واتهامه بالفساد او تبيض الارهاب والولاء لاحزاب سياسية.
صراع نشب بين قاضيين اتهم كل منها زميله بانه مصطف مع جهة يقدم لها خدماته انفجر منذ نوفمبر 2020 ويمكن اختزاله بالقول ان القاضيين عكسا الصراع بين قسمين من التونسيين لسنا نجزم بصحته ولكن الانطباع الذي يخلفه ان من بين الاصطفافات التي برزت، صفان.
صف من التونسيين مرتبط بشبكات الفساد يدافع عن مصالحها ويوفر حماية قضائية لها تحول دون محاسبتها وتفكيكها . وصف اخر تتقاطع مصالحة مع الجماعات التكفيرية المتشددة والجماعات الارهابية لذا هناك تعويم قضايا الارهاب تصل إلى حد تعطيل مسار التقاضي والتحقيق في القضايا ذات الصلة بهذه المجموعات.
انطباع رسخه لدى التونسيين ما يصدر عن مجلس القضاء العدلي الذي اتهم ضمنيا الحكومة ووزارة العدل بالعمل على منع احالة القاضيين على مجلس التأديب، وسحب تقرير التفقدية العامة الخاص الذي يقدم نتائج التحقيقات في علاقة بما نسب للقاضيين ضمن تقارير شمل العشرات من القضاة.
شد وجذب بين الوزارة والمجلس الاعلى للقضاء العدلي انتهى الى احالة مجموعة القضاة على مجلس التأديب الذي سينظر في التهم التي تلاحق اعلى هرم السلطة القضائية، رئيس محكمة التعقيب الذي يشغل خطة رئيس الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين وعضو بالمجلس الاعلى للقضاء قبل صدور قرار تجميد العضوية ورفع الحصانة القضائية عنه لينطلق مسار يعتبر الامتحان الاصعب للقضاء التونسي ولمجالسه. من بينها مجلس القضاء العدلي الذي يلعب دورا محمودا بالتشبث في معالجة الملفات وفق ما تقتضيه. واستمع الى المحالين عن لجنة التأديب التابعة له، ومن بينهم البشير العكرمي في انتظار الاستماع الى الطيب راشد في 16 من جويلة القادم.
لكن مقابل الدور المتقدم الذي يلعبه مجلس القضاء العدلي الذي خاض الى حدود الان معركة استقلاليته مع السلطة التنفيذية التي تمثلها وزارة العدل، هناك صمت غريب من المجلس الاعلى للقاء وكان ما يعيشه القضاء التونسي لا يستدعى تحركا خاصة بعد تصريحات روضة قرافي التي تثير الجزع.
صمت لا يمكن تبريره بان دور المجلس الاعلى للقضاء يقتصر على الجانب التقني ويتعلق بتنظيم عمل جهاز القضاء بفروعه الثلاثة عدلي ومالي واداري. ولا ينظر في المسار المهني للقضاة فقط. بل ان أوكد مهام المجلس الاعلى للقضاء اليوم هي ضمان شروط نزاهة العملية القضائية.
ولا يختلف اثنان على ان اول شروط النزاهة ان يقع الناي بالقضاء عن الانحرافات التي قد تصيبه نظرا للموروث السابق وحداثة ترسيخ مبدإ استقلالية القضاء في تونس وتركيزها عبر مؤسسات تحول دون تداخل السلطتين التنفيذية والتشريعية في القضاء عبر بوابة المسار المهني.
نزاهة تستوجب اليوم ان يقع اعلام التونسيين بمسار التحقيقات التي طالت اعلى الهرم القضائي وطالت ايضا ملف قضايا الارهاب والاغتيالات، اليوم على المجلس الاعلى للقضاء ان يقدم للتونسيين تفاصيل هذه التحقيقات ونتائجها وان يقع التحرك من اجل استعادة الثقة التي اهتزت في القضاء.
قضاء ينظر اليه على انه ينتصر للمتنفذيين والسياسيين خاصة من هم في الحكم ويحميهم ويجعلهم فوق المسالة والعقاب جاعلا منهم مواطنين فوق الرتبة ويرسخ الانطباع بان رياح الثورة والتغيير لم تطل القضاء الذي يشتبه في انه اخترق وبات يوظف في صراعات سياسية.
ما هو على المحك اليوم هي العدالة التي تتخذها الدولة التونسية شعارا لها مع المساواة والحرية والكرامة . بسقوطها تسقط كل الشعارات معها. الرهان اليوم على المجلس الاعلى للقضاء في ان يقود مسارنا نحو العدالة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115