والتعليم والأمن وغيرها من الحاجات الأساسيّة هي دولة بلا شرف لأنّها فقدت سيادتها واستقلالها، وهي إذ تستجدي الإعانات من الدول «العظمى» تثبت أنّها تابعة وخاضعة لقوى الاستعمار الجديد. ولاشكّ أنّ استرجاع هذه الآراء الصادرة عن امرأة يُنظر إليها على أنّها متطفلّة على عالم الرجال والاقتصاد والأعمال، مفيد، لاسيما بعد تواتر العلامات الدالة على تحوّل عدد من أعضاء الحكومة، وعلى رأسهم «المشيشي» إلى مُقتنصين لفرص التمويل هنا وهناك، باحثين عن الإعانات الأجنبيّة، حتّى وإن اقتضى الأمر اللجوء إلى المراوغات والمغالطات، وتقديم مجموعة من التنازلات وتوفير امتيازات للدول المانحة تُفضي إلى التضحية بالمصالح الوطنيّة وتكريس التمييز بين التونسيين وموفّري الأموال.
وليس الانتقال من موقع يُفترض أن يكون فيه رجال/نساء الدولة في خدمة المواطنين قادرين على وضع الرؤى والتصوّرات وابتكار الحلول السريعة وصياغة السياسات إلى موقع يكون فيه هؤلاء مجرّد منفّذين للأوامر والإملاءات أو مُرمّيمين أو... إلاّ حجّة على ضعف هذه الحكومة التي اختزل أداء بعض أعضائها في رصد الجهات المانحة ومحاولة إقناعها بأنّ برامج الإصلاح قد انطلقت وأنّ الإنقاذ ممكن. ولا نشكّ في أنّ المفاوضين هم أنفسهم، غير مقتنعين بالخطاب الذي يقدّمونه للآخرين... إن هي إلاّ سياسات ارتجاليّة تخضع للأهواء ومحاولات لإنقاذ ماء الوجه، واكتساب بعض الوقت.
يُثير هذا التوجّه القائم على حلّ الأزمات، وخاصّة الاقتصادية بالاعتماد على الآخر أكثر من إشكال إن كان على المستوى الداخليّ أو الخارجيّ. فأن تسعى إلى الاقتراض وتبحث عن الهبات والمساعدات من هذا البلد أو ذاك معناه أنّك صرت لا ترى حرجا في عقد علاقات لا نديّة مع الآخر، والتحرّك من موقع لا يسمح لك بهامش من الحريّة للتفاوض. فالتابع مجبر على قبول شروط الآخر، وتطبيق رؤيته للسياسات الإصلاحيّة.أمّا تحويل الوجهة إلى البلدان القادرة على منح المال فلا دلالة له سوى الاعتراف بالفشل في إقناع الشعب بضرورة العمل والتفاني من أجل النهوض بالاقتصاد مثلما فعلت شعوب أخرى نهضت من الكبوة ونحتت في الصخر وأرست ثورتها كالصين وغيرها. ولكن أنّى لمن لم يستطع كسب ثقة التونسيين أن ينال ثقة الداعمين والمستثمرين؟
ولا يعدّ «ماراطون» البحث عن المساعدات والقروض إلاّ حجّة على أنّ «صورة تونس بين الأمم» أو «سويسرا العرب» أو بلد «الاستثناء» قد تشوّهت وهي اليوم خاضعة لعمليّة بناء جديدة. فهذا البلد الذي لفت أنظار العالم وتناقلت مختلف وسائل الإعلام أخباره وانكبّ الدارسون على تحليل مسار «الثورة» التي أطلقها والإنجازات التي حقّقها الفاعلون المتعدّدون أضحى تحت هيمنة لوبيات الفساد، وصراعات «الإخوة الأعداء». ولن يتسنّى لمن كُتب له أن يقود هذه المرحلة أن يحاور الآخر ويقنعه وصورته مهزوزة وعلامات الهشاشة بادية للعيان والسياق الذي يتحرّك فيه لا يخدمه وهو عاجز عن تمثيل نفسه.
وبما أنّنا نعلم أنّ الموقع الذي يتحدّث منه الفاعل يؤثّر في سلوكه ومزاعمه، وتفاعله مع الآخرين، وفي نظرتهم إليه واعترافهم بـ«الشرعيّة» التي يمكن أن يكتسبها فإنّنا نقدّر أنّ ما يعاينه التونسيون/ات في هذه المرحلة يعرّي الواقع المرير، واقع لم يكن فيه «اللاعبون الجدد» على قدر من الاطلاع على تاريخ تونس ومن المعرفة بالخبرات والكفاءات التي جعلت فئة من القيادات السياسية تستحقّ عن جدارة لقب «رجال الدولة» ولذا غاب الشعور بالمسؤولية. ولعلّ أخطر ما في الأمر أن تُتّخذ القرارات باسم الشعب ونيابة عنه، وباسم الدولة التونسيّة وأن يرتهن مصير أجيال وأجيال بسبب سوء التقدير وقصر النظر وغياب القدرة على رسم السياسات.
«السيـاســــات» الارتجـــالية
- بقلم امال قرامي
- 11:21 28/05/2021
- 1099 عدد المشاهدات
صرّحت الراحلة نوال السعداوي، في حوار مع قناة تلفزية، أنّ الدولة التي تعجز عن توفير الحاجات الأساسيّة كالطعام والصحّة