تونس: نهاية منظومة !

تشير كل المعطيات إلى أننا قد وصلنا إلى مرحلة من الانسداد الكلي للأفق السياسي في بلادنا،وأن المنظومة التي نشتغل وفقها قد استنفدت

كل أغراضها ولم تعد قادرة على الحياة بما هي تجدد وتنوع ونموّ..
والمنظومة لا تعني في نظرنا النظام السياسي الذي أقره دستور 2014 فقط ولا كذلك المنظومة الحزبية وما نتج عنها من حكم قائم على المحاصصة ولا تشظي السلط وتناحرها ولا النظرة الغنائمية للحكم التي تقوم عليها أحزاب الأغلبية ولا كذلك عبثية بعض المعارضات ..
المنظومة هي كل هذا وزيادة إذ هي أيضا نظرة لدور الدولة في توزيع الثروة وللسياسات الاقتصادية المتبعة بوعي أو دون وعي منذ عقد من الزمن وهي أيضا الثقافة السياسية والاقتصادية للنخب المهيمنة ..

المنظومة في مفهومنا هي ما يمكن أن نسميه بمنظومة المنظومات نصوصا وممارسات وآليات لإدارة الخلاف ولحكم البلاد ولمفهوم المصلحة العامة كنتيجة لتفاعل مختلف مكونات المجتمع .. هذه المنظومة كلها قد أدت إلى توازن الضعف وإلى إرباك كل المؤسسات بل وإلى تناحرها والاكتفاء بتسجيل النقاط ..
نهاية منظومة لا تعني زوالها العملي الفوري،بل تعني نهاية شروط إمكانها ولكن بطبيعة الحال ستتواصل هذه المنظومة منتيهة الصلوحية لأن الزوال العملي يفترض توفر شروط أخرى وهي من أصناف ثلاثة : إصلاح جوهري للمنظومة من داخلها أو تغييرها من خارجها أو انفجارها .

لسنا ندري اليوم أي هذه السيناريوهات سيكتب له النجاح خاصة إذا ما تم رفض كل دعوات الإصلاح وتمترس كل شق وانغلق على نفسه وهذا هو الطّاغي اليوم على المشهد خاصة في الصراع العبثي بين أهم مؤسسات الدولة : رئاسة وحكومة وبرلمان ..
المشهد السريالي لمجلس نواب الشعب يوم أمس بمناسبة»مناقشة» ردّ رئيس الجمهورية للقانون الأساسي للمحكمة الدستوري يؤكد بوضوح انه قد تم الانحراف نهائيا بالأدوار الدستورية لمؤسسات الدولة وتحويلها إلى ساحات وغى لتصفية الحسابات والمزايدات دون توفير أي أفق سياسي معقول للبلاد وللعباد ..
لقد أصبحت تونس كذلك الفريق الفاقد للروح وللوجهة والذي ينهزم في كل مقابلة رغم الأداء المقبول لبعض لاعبيه،فريق يتأخر من مقابلة إلى أخرى غابت عنه كل الحلول سوى إحداث تغيير جوهري على قيادته ..

تونس اليوم تحتاج الى «رجة نفسية» كبيرة عساها تغير بعض المعطيات ..قد كان يمكن أن يحصل ذلك لو قبل رئيس الدولة بمقترح الاتحاد العام التونسي للشغل ولكنه رفض الإسهام في إيجاد حل للبلاد وبقي في كوكبه ينظر إلى البلاد من علٍ..
لسنا متأكدين أن استقالة رئيس الحكومة اليوم قد تكون عنصرا في الاتجاه الصحيح إذ رغم الأداء الضعيف وكثرة الأخطاء والانزلاقات بل والفضائح،وآخرها التلاعب بالأولويات في التلاقيح ضد هذه الجائحة القاتلة،ولكن استقالة هشام المشيشي اليوم ستفقد البلاد على المستوى الداخلي وخاصة على المستوى الخارجي الطرف الوحيد المحاور للأطراف الاجتماعية

ولشركائنا الاقتصاديين الدوليين في ظرف تجد فيه البلاد نفسها مهددة بالإفلاس..

تقود الحكومة اليوم حوارا بالغ الأهمية مع صندوق النقد الدولي من اجل إجراء اتفاق ممدد جديد،والواضح أن إخفاقنا في عقد اتفاق يراعي المصالح الاساسية للبلاد ويدفعها كذلك في طريق الإصلاحات الأساسية ضروري للبلاد حتى تتجنب الأسوأ ..
لكن إذا لم تكن استقالة رئيس الحكومة مناسبة اليوم فعلى العكس من ذلك تكون استقالة راشد الغنوشي من رئاسة البرلمان متأكدة وضرورية ولعلها تشكل خطوة هامة في الاتجاه الصحيح،أي الوعي الجماعي بضرورة التدارك، وهذه الاستقالة ينبغي ان تكون في حزمة متكاملة فيها توافق واسع على رئاسة غير جدالية لمجلس نواب الشعب والتزام كل الكتل بان يواصل البرلمان عمله دون تعطيل ومع صرامة ضد كل مظاهر العنف المادي منها واللفظي كذلك ..

الأزمة ستشتد وفرص الخروج منها تتقلص ..ولكن لو عاد العقل ورجح سيكون التجاوز ممكنا مرة أخرى ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115