من محاربة الفساد إلى التلقيح مرورا بحقوق النساء: التنافس المحموم بين رأسي السلطة التنفيذية

بدأت هذه العهدة الانتخابية بتنافس غريب بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب حول الملف الليبي وقطاع الزيتون

وصياغة المشهد السياسي بعيد الانتخابات العامة مباشرة ..

كل شيء كان مناسبة لسعي رئيس مجلس النواب – ورئيس حركة النهضة – إلى التوسع في صلاحياته شبه المعدومة والى استغلال ما اعتبره قلّة الخبرة السياسية لقيس سعيد حتى يظهر وكأنه الحاكم الفعلي للبلاد ورأيناه يفتئت أكثر من مرّة على الصلاحيات الدستورية لرئيس الدولة وخاصة في مجال العلاقات الخارجية والتعبير عن الموقف التونسي في القضايا الإقليمية الحارقة ..

مع فشل حركة النهضة في تمرير حكومتها ،حكومة الحبيب الجملي،واستعادة رئيس الدولة لمقاليد المبادرة السياسية تغيرت موازين القوى لصالح قرطاج بحكم التناسق الكبير،آنذاك،بين رأسي السلطة التنفيذية واعتراف الياس الفخفاح بأولوية وأسبقية وشرعية قيس سعيد ..ولكن هذا التناغم لم يعمّر طويلا فسقطت حكومة الفخفاخ إذ وقع رئيسها بين فكي كماشة تضارب المصالح من جهة وهرسلة الأغلبية البرلمانية (المخالفة للأغلبية الحكومية) من جهة أخرى ..

ورغم إن قيس سعيد هو الذي اختار هشام المشيشي لتعويض الياس الفخفاخ إلا أن صاحب القصبة الجديد شق عصا الطاعة حتى قبل نيل حكومته لثقة مجلس نواب الشعب وتحولنا من صراع يتحالف فيه صاحبا قرطاج والقصبة ضدّ رئيس البرلمان إلى صراع يجد فيه رئيس الدولة نفسه في مواجهة تحالف برلماني حكومي افقده سيطرته النسبية على أهم آليات السلطة التنفيذية وطغى على السطح صراع شخصي جديد / قديم يضع رأسي السلطة التنفيذية في مواجهة محمومة منذ اليوم الأول لحكومة المشيشي،أي منذ أكثر من ستة أشهر..صراع زادته أزمة التحوير الوزاري التي دخلت أسبوعها السابع غرابة تراجيكوميدية فأصبحنا نرى في كل أسبوع مناسبة أو أكثر لتنافس صبياني ليظهر كل طرف في ثوب الشخص الأحرص على مصالح البلاد والعباد والأقدر على فرص إرادته على غريمه ..

منذ ستة أشهر والبلاد تعيش على وقع صراع سريالي لجناحي السلطة التنفيذية ولحشد أنصار كل فريق وخاصة لإغراء مساندي كل طرف بتغيير تحالفاتهم أو على الأقل بتحييدهم في هذا الصراع الذي لا يفتح على أي أفق سياسي فيه الحدّ الأدنى من المعقولية والمصلحة الوطنية للبلاد ..
كل فريق يسعى اليوم لاستجلاب أكبر عدد من "الرشامة" لتعداد الانجازات والمبادرات والمكاسب حتى ما كان منها وهميا لا يسمن ولا يغني من جوع ..

إننا بصدد ارتهان ما بقي لنا من طاقة في الصراع بين طواحين الريح وطواحين الماء دون أن تكون لما بقي من السلطة التنفيذية أية قدرة على القيادة وعلى حسن التصرف في المشاكل الآنية،اذ لا يتم التصرف في كل قضية مهما كانت عرضيتها أو جوهريتها إلا بما يتوافق وحسابات الرابح والخاسر في هذه المعركة العبثية .
أما القضايا المصيرية للبلاد والتي تستوجب قرارات وإصلاحات وتصورات فيها العاجل والآجل،وقصير المدى ومتوسطته وطويله فتركت كلها للصدفة ولأمواج البحر تتقاذفها دون جهة محددة.

الخطر،كل الخطر،في هذا العبث الطفولي أننا لا نرتهن الحاضر فقط ،بل جلّ إمكانيات التجاوز في المستقبل وكأن البلاد فقدت كل ثوابتها واختفت فيها أصوات العقل الفاعلة والوازنة وبقيت بين من يتصيد عثرات خصومه /أعدائه وبين من كاد يفقد الأمل في إمكانية قيام بلد يستطاب فيه العيش ..
تتوهم كل أطراف النزاع الحالي أنها قد تكون هي المستفيدة في النهاية ولكن التاريخ لم يحفظ لنا مثالا واحدا لمنتصر في حروب الدمار المتبادل ..

واصلوا يا حكام البلاد في هذا العبث ..تذكروا فقط الحكمة الفرنسية جهنّم مبلطة بالنوايا الحسنة... 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115