قيس سعيد ورؤيته لحل الأزمة: ماذا يريد الرئيس وما الذي يمكنه أن يفعل ؟

لم يعد السؤال المطروح في تونس هل ستنفرج الازمة ام لا؟ فانفراجها حتمي لا مفر منه. لكن السؤال كيف ومتى وبأي ثمن ستنفرج ؟.

خاصة وان المعادلة تغيرت داخليا وخارجيا تحت ثقل الازمة المالية التي تهدد البلاد.
تغيير منح قيس سعيد دورا جوهريا في الحسم، لكن هذا الدور محكوم ومحدد باكرهات الواقع التونسي الذي لا يمكنه ان يلبي كل تطلعات الرئيس وتصوراته. التي شهدت بدورها تغييرا عما كانت عليه في بداية الازمة.
فالرئيس وفي مستهل ازمة التحوير الوزاري كان يعتبر ان الحل هو العدول عن التحوير كليا او جزئيا لتجاوز لأزمة. وهو ما بينه باصراراه على عدم دستورية التحوير والاخلالات القانونية التي شملته اضافة الى تمسكه بان النظام الداخلي للمجلس ليس من قوانين الدولة التونسية حتى يكون ملزما لغير مؤسسة البرلمان.
هذا التصور الذي يحافظ على القديم زال بحرص حكومة المشيشي على الدفع بالأزمة الى اقصاها وجعل الصراع مباشرا ومفتوحا مع الرئاسة التي عدلت من مقاربتها للحل وعبرت عنه بشكل صريح لقادة المنظمات الوطنية الذين التقئ بهم الرئيس سعيد وأنه لا حل غير رحيل حكومة المشيشي.
تصور لازال قائما وبات قناعة راسخة لدى الرئاسة التي لاعبت خصومها منذ البداية بالمزج بين شرعية الرئيس وصلاحياته الدستورية ومشروعيته. اي لاعبتهم بما يمنحه الدستور التونسي من صلاحيات وسع منها قليلا لتشمل قراءة وتاويل الدستور. وثانيا بنزوله في مناسبات عدة للشارع: حي التضامن/المنيهلة وشارع الحبيب بورقيبة. وهي ورقة المشروعية التي تستند الى الامتداد الشعبي ودعم الخيارات.

وهنا القى سعيد ما أوجس حركة النهضة وارهبها. احتكار تأويل الدستور والحديث باسم الشارع، ويضاف الى هذا أن الرئاسة تنقل في تسجيلاتها شعارات ترفع في الشارع، تطالب بحل البرلمان. مع الالتزام بالصمت تجاه مبادرات الحوار او الدعوات لحل الازمة.
من جانب اخر استمر تصعيد الرئاسة وتلميحاتها مع تمدد الازمة. لتكشف اولا ان موقف الرئاسة لا رجعة فيه وانه لا يمكن القبول بحوار يبحث عن الخروج من الازمة لا يشمل رحيل الحكومة والبحث عن بديل للمشيشي يدير فريقا حكوميا جديدا وفق قاعدة فرز جديدة. اي ان الرئاسة لا تريد فقط رحيل الحكومة بل ان تكون من الفاعلين في اختيار رئيس الحكومة الجديد وحزامه البرلماني والسياسي.
وقد كشف الرئيس عن الحزام البرلماني الذي يرغب في العمل معه. وذلك من خلال دعوته لـ11نائبا يمثلون الكتلة الديمقراطية وحركة النهضة وتحيا تونس ومن غير المنتمين. ولا يقف تصور الرئاسة عند مسألة استقالة حكومة المشيشي وتغيرها مع تغير الاغلبية الراهنة بل يشمل ايضا تحديد اولويات الحكومة ومن يتزعّم هذا الحزام الجديد.
اي ان لرئيس الجمهورية تصور للحل يريد ان يفرضه على بقية الخصوم مستعينا بتعقد الاوضاع على كل المستويات. وثانيا بالدستور والمشروعية. ولهذا فانه يتعمد الصمت وعدم الرد الصريح والمباشر على ما يصدر من مبادرات او جهود وساطة تنهى الازمة على مراحل.
اننا اليوم امام فرضيات مفتوحة للازمة لا خير تحمله للبلاد، يريد الرئيس ان تحل وفق تصوره ولكن هذا الامر صعب فما يقدمه الرئيس لخصومه ليس الا حصارا من الجهات الاربع ينتهى باعلان استسلامهم. وهو ما قد يكونه خطأه الاكبر.اذ ان غلق المنافذ امام الخصوم سيجبرهم على المواجهة. وهو ما سيكون اليوم في شارع الحبيب بورقيبة بمسيرة الثبات والدفاع عن المؤسسات التي دعت لها حركة النهضة. وتهدف من خلالها الى ان تستعرض ثقلها في الشارع كما فعل الرئيس وتجابهه بمشروعيتها هي الاخرى.

ومهما كانت مخرجات اليوم، سيتأكد بشكل قاطع ان لا احد من اطراف النزاع قادر على حسم الصراع في ظل توازن القوة وامتلاك كل طرف لجزء من اوراق اللعب. وانتقال الصراع الى الشارع تحت ذريعة «المشروعية» التي قد تٌُعسر لاحقا الوصول الى حل ممكن. اذ ان الواقع التونسي محكوم بوضع المالية العمومية. التي تستوجب حل آنيا وعاجلا للازمة السياسية، يسمح بتوفير هامش من الحركة للبلاد لتعبئة موارد مالية استعجالية للايفاء بتعهداتها. ويوفر ارضية لحوار وطني من اجل الانقاذ.اي ان البلاد لم تعد تمتلك وقتا لتهدره في انتظار الوصول الى حل يكون على هوى المتناحرين. الذين بدورهم لم يعد امامهم متسع من الوقت للمناورة اذ ان اي خطوة لا تذهب لحل الازمة ستدفع بالبلاد الى الانهيار. وعليه فان الجميع الرئيس والبرلمان والحكومة ان يعوا الوضع بما هو عليه وليس بما يأملونه ان يكون عليه.
اما هذا والاّ سيعمق اهدار الوقت ازمتنا اكثر. وان كان الرئيس او من يحيطون به يعتقدون ان الوقت عنصر ضغط على خصومه اكثر منه. لكن الوقت في الحقيقة سيف مسلط على رقاب الجميع دون استثناء.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115