في تهرّب من حل الفصل 97 من الدستور: وقَفَ الحوار عند العقَبَة (؟ !)

ما كان ينتظرون التونسيون أن يشهدوا تنافرا سياسيا بين الرئاسات الثلاث يؤدي إلى عجز بيّن في إيجاد حل لتجاوز أزمة تتعلّق برفض دعوة رئيس الجمهورية

لوزراء جدد نالوا ثقة مجلس نواب الشعب لأداء اليمين الدستورية لمباشرة مهامهم.

كما لم يكن منتظرا أن تتالى المقترحات والتدخلات لتجاوز الأزمة غير المسبوقة دون أن ينال أي مقترح تقبل جميع الأطراف المعنية، و دون أن يقع الاهتداء إلى حل دستوري من طرف خبراء القانون الدستوري ،في غياب المحكمة الدستورية الّتي تفننت الأحزاب السياسية الماسكة للأغلبية البرلمانية الحالية والسابقة ، في إضاعة كل الفرص لتركيز هذه المحكمة الّتي عهد إليها الدستور حل مثل هذه الإشكاليات.

نفس العقبة نجدها في تعطّل لغة الحوار رغم دعوة صاحب المظلتين رئيس مجلس نواب الشعب ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى عقد اجتماع ثلاثي يجمعه برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لإيجاد حل يرضي الجميع . هذه الدعوة الأخيرة ، اعتبرها قيس سعيد تنم عن نفاق سياسي، في رد غير مباشر، لرفضها و ردّها إلى مصدرها.
كل هذا يعطي صورة على مناخ عدم الثقة بين الماسكين بالسلطة، بعد أن كشفت مواقف العشرية الماضية ، مدى مصداقية الأطراف السياسية الّتي تتصدّر المشهد السياسي و في مقدمتها النهضة و حلفاؤها المعلنون و غير المعلنين والدائمين والعرضيين ، بحيث لم يعد يقبل أي أحد أن يلدغ من الجحر أكثر من مرّة.

إن إنعدام الثقة فيما بين الأطراف السياسية نفسها سواء بين المتحالفين في السلطة، أو بين هؤلاء والمعارضين لهم ، أدّت إلى إنعدام الثقة لدى الرأي العام و لدى النخب المغردة خارج السرب ، و لدى القوى السياسية الّتي استبعدتها الآلية الانتخابية من مواقع الحكم والـتأثير.
من رحم هذه المجموعات المتذمّرة تتولد حركة جديدة بدأت تتوجه نحو الشارع لتبليغ صوتها على خلفية فشل المنظومات الحزبية في تخطي عقبات ترسيخ تجربة ديمقراطية جديدة خلاّقة توقف التلاعب و الإستهانة بمصالح الدولة وطموحات الفئات الواسعة من الشعب .

هذا التلاعب كان منذ التأسيس ،عندما تمّ تمرير كل النصوص المساهمة في الأزمة بتدبير ممّن كان لا يتجاوز نظره طرف أنفه لإعتقاده أن المستقبل له ، و أنه سيكون المستفيد في النهاية من أي تفسير أو تأويل وبكونه سيبقى في النهاية قادرا على اعتماد «التوافق» لتجاوز أي مأزق قانوني محتمل. لذلك لم يصغ إلى أي صوت منبّه ، أو ناقد، وتدبّر الأمر كما تراءى له.
لقد تمّ اعتماد نفس التعنت في مختلف الأزمات ، لذلك لم يُسمع التنبيه الصادر عن رئيس الجمهورية من عدم سلامة إجراءات التحوير منذ البداية ، ولم يقرأ أي حساب لرد فعله . فلم يتراجع رئيس الجمهورية عن موقفه. و لم يتنحّ الوزراء المعنيون بالتحوير تلقائيا ، لأن لا أحد كان على يقين بأن ذلك سيحل الإشكال .و لم يستقل رئيس الحكومة معتمدا على «الحائط الّذي يستند إليه، لذلك مضى قدما في التخطيط للبقاء بإعفاء الوزراء المباشرين و توزيع النيابات الوزارية كما ارتآه في تحد غير محسوب. و لم يقع الذهاب إلى التصويت على لائحة لوم ضد الحكومة ،بطلب من ثلث أعضاء مجلس نواب الشعب طبق الفصل 97 من الدستور الّذي يشترط لسحب الثقة من الحكومة موافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس وتقديم مرشح بديل يُصادق على ترشيحه في نفس التصويت ويتم تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتكوين حكومة طبق احكام الفصل 89 من الدستور. ويبدو أن التهرب من اللجوء إلى هذا الفصل، مردُّه، تجنب تقض التصويت على نيل الثقة قبل مباشرة الوزراء لمهامهم ، و في تهرب من تمكين رئيس الجمهورية من كسب سياسي بالإذعان لإرادته، بإعتبار أن المبادرة في تعيين رئيس جديد للحكومة ستعود إليه مرّة أخرى لو تمّ التصويت على لائحة اللّوم.

لم يقع اللّجوء إلى هذه الحلول ، و لم يحصل أي حوار جاد و شامل ، و إنّما تم التوجه في إطار النشاط السلبي لمجلس نواب الشعب إلى السعي إلى سحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب ، لتكون تونس إزاء أزمتين واحدة في الحكومة والثانية في مجلس نواب الشعب . و هما أزمتان يتحمّل رئيس مجلس النواب و رئيس الحزب الأغلبي فيه ، وزرهما ، ممّا يضاعف في تحميله مسؤولية تدهور الأوضاع في البلاد،و الدليل على ذلك تضاؤل شعبيته بإستمرار في كل عمليات سبر الآراء.
هذا ما تعيشه تونس اليوم في ظرف إقتصادي واجتماعي متأزم ،و كل طرف يقول للآخر، «وخّر شويّة» والحال أن «ظهر االبهيم وفا» كما يقال ...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115