فإبداعاتنا في فنّ «التراجيكوميك» فاقت حتى واضعي هذا الصنف من المسرح إذا أخذنا فقط عنصر خرق القواعد ولم نلتزم بمبدإ النهايات السعيدة..
أسوأ ما في حالتنا الراهنة أننا أصبحنا أمام دولة لم يعد بإمكانها جلب الحدّ الأدنى من الاحترام وأمام أهم شخصيات الدولة ورموزها الذين يتعاملون فيما بينهم كأسوإ ما يتعامل به تلاميذ السنة الأولى ابتدائي دون اعتبار العفوية والطرافة في سلوك الأطفال ..دولة «طفلانية» (Etat infantile) تلعب بأعصاب الجميع وترتهن حاضر البلاد ومستقبلها لنرجسيات منتفخة ولصراعات بهلوانية غير جدية ..إنها التفاهة باختصار ..تفاهة الاهتمامات وتفاهة الأفعال الصغيرة والحسابات العقيمة والأدوار الوهمية والبطولات الزائفة ..
من المسؤول عن كل هذا : النظام السياسي أم النظام الانتخابي أم غياب المحكمة الدستورية أم غموض الدستور والقانون ؟
لقد تأكد لدينا اليوم أن كل هذه الأسئلة – على أهميتها البالغة – لا تنطبق على الحالة التونسية..
المسؤول الوحيد عن كل هذا هو تكثف التفاهة مع غياب الكفاءة واندثار النزاهة فغرقنا جميعا في محيط لا قاع له واعتقد جلّنا – بنسب متفاوتة بالطبع – انه يمتلك لوحده قارب النجاة بمجرد عثوره على خشبة متعفنة في الأعماق .
والغريب أن جلّ المعنيين بهذا التوصيف عندما تأخذهم فردا فردا قد تجد فيهم الوعي الضروري وشيئا من الكفاءة والنزاهة ولكنهم فضلوا الانخراط الجماعي في هذه «الحرب» المدمرة فضاعت عنهم الأولويات الأساسية والحاجيات الأولية للبلاد وللعباد..
لا أحد يتحمل المسؤولية أو يقبل بتحملها بل أن الكل يصرخ وبكل ثقة في النفس «سيدي خاطيني راهو لآخر الّي عمل» تماما كما يفعل الصبية المشاغبون في درجات الدراسة.
هنالك سؤال جدّي وحيد نطرحه على كل هؤلاء:
ترى لو لم يكن لدينا رئيس للجمهورية وحكومة وبرلمان على امتداد هذه السنة ونصف السنة من العهدة الانتخابية الحالية أي لو تولت الإدارة تسيير الشؤون اليومية للناس والإشراف على المرافق العامة في انتظار تسليم العهدة إلى سلطة منتخبة سنة 2022 مثلا هل كان حالنا سيكون أسوأ مما هو عليه اليوم؟!
نجزم بأغلظ الإيمان ودونما حاجة للمرور أمام أحد أن الجواب هو بالنفي القاطع والذي لا يحتمل ذرة شك واحدة..فكل السلط المنتخبة متضامنة قد أسهمت في إفساد وضع البلاد ولم تتقدم ولو بخطوات محتشمة في الاتجاه الصحيح ..
يكشف هذا السؤال الافتراضي لوحده عن مستوى العبث واللامعنى الذي وصلت إليه البلاد وكيف أن الطبقة السياسية الحاكمة – وأحيانا المعارضة كذلك – أضحت عالة على البلاد وجزءا هيكليا في أزماتها المتفاقمة لا عنصر حل وتجاوز .
يخطئ من يعتقد بأن البلاد بإمكانها انتظار مآلات صراعات أجنحة السلطة،وحتى الشعبية الظاهرة اليوم لأحد إطراف النزاع رئيس الجمهورية إنما هي شعبية مرتبطة بالقدرة على الإنجاز أما لو غابت هذه القدرة فانهيار المنظومة الحاكمة لن ينجو منه احد ..
نعيدها للمرة الألف : البلاد بحاجة إلى الحدّ الأدنى من العقل والعقلانية والى حسن إدارة خلافاتها بصفة إدماجية لا اقصائية حتى تتمكن كل جهة من التفرغ للعمل والإصلاح وتحسين أوضاع الناس ..
لن تمهل البلاد السياسيين كثيرا فالوقت محسوب للجميع فإمّا أن تجد المؤسسات المنتخبة الحلّ وأن يتنازل بعضها لبعض وأن يتفقوا على إدارة ما تبقى من هذه العهدة أو أن يعيدوا في أسرع وقت ممكن الكلمة للشعب أو أن غضب الشارع قد يأتي على المؤسسات ويتجاوزها وفق ديناميكية لا يمكن لأحد أن يتوقعها بصفة مسبقة ..
إمّا العقل أو المغامرة ..
في بلد «التراجيكوميك» كفى !!
- بقلم زياد كريشان
- 09:33 10/02/2021
- 1597 عدد المشاهدات
لو لم يكن الأمر متعلقا بحياة ومستقبل ملايين المواطنات والمواطنين لكانت تونس المسرح العالمي الأفضل للتسلية على النفس،