مُقتَرحين من رئيس للحكومة، وذلك بمعدل جلسة عامة من هذا القبيل كل أربعة أشهر في خُمس المدة النيابية المنبثقة عن إنتخابات أكتوبر 2019، الأمر الذي جعل المجلس مسرحا بإمتياز للتصويت على الثقة ، الّتي لم يسلم رئيس البرلمان من المراهنة عليها والعيش تحت وطأة «موازين ثقيلة» بسببها.
في جلسة بعد غد الثلاثاء 26 جانفي 2021 -التي ستعقد حضوريا-، سينحصر التصويت خلالها على منح الثقة لأعضاء الحكومة المُقتَرحين ضمن التحوير الوزاري الّذي أعلن عنه المشيشي يوم 16 جانفي الجاري ، والمتعلق بتحوير جزئي، وهي تكتسي أهمية كبيرة جراء تبعات عدم منح الثقة للوزراء الإحدى عشر - جميعهم أو بعضهم - وهو أمر وارد لتغير الأغلبية المتشكلة بإستمرار و تذبذبها بسبب حرص كل طرف فيها ، على التموقع خدمة لمصلحته الضيقة.
فالحكومة الّتي نالت ثقة المجلس في 1 سبتمبر 2020 ، كانت محكومة باملاءات إنتهازية، يسميها البعض إملاءات الضرورة ، باعتبار أن الشخصية الّتي إعتبرها رئيس الجمهورية الأقدر لتشكيل الحكومة، نُسبَ لها قبول إقحام مقترحات رئاسة الجمهورية في الفريق الحكومي ،للمرور بها إلى مرحلة مسك السلطة لفترة ، في إنتظار تحويرها طبق خيارات الحزام الداعم لرئيس الحكومة، وهو ما تم الإفصاح عنه من قيادات الائتلاف قبل نيل حكومة المشيشي لثقة البرلمان و بعده.
هذه الخيارات في التشكيلة المقترحة التي تم الكشف عنها إبان إحياء ذكرى 14 جانفي في ظل أجواء الحجر صحي و حضر التجول ، لم تكن وليدة الساعة ، بل كانت في تناغم تام مع ما سبق التصريح به بعد التصويت على منح مجلس نواب الشعب الثقة لحكومة الائتلاف الثلاثي الجديد و حزامه المؤازر والمعزّز له .
كما جاءت هذه الخيارات في إطار مساعي استبعاد تشكل مسار الحوار الّذي تبناه رئيس الجمهورية دون تفعيله ، في حين تم التسريع بتغليب تدعيم المسار الّذي تباشره الحكومة وتتصرف فيه طبق لخياراتها المحكومة بإرادة الائتلاف الداعم لها و خاصة بضغط من النهضة.
هذا ما استقرأته «المغرب» قبل أسبوع من التحوير حيث أشارت إلى أن أحزاب الإئتلاف الداعم للحكومة تبدو غير معنية و غير متحمّسة للحوار ، و تلعب في فضائها الخاص لتنفيذ ما عزمت عليه في خياراتها السياسية، و في نفس الوقت تواصل مراقبة مخرجات الحوار دون توريط نفسها... والدليل على ذلك ، اتخاذ قرار إقالة وزير الداخلية في «بهتة» من الجميع تنفيذا لوعود سابقة ، و الإعداد الّذي يطبخ على نار هادئة لإدخال التعديلات الّتي سبق الإفصاح عنها عند تشكيل حكومة المشيشي... تعديلات أرادها رئيس الحكومة ضرورية بعد تسجيل شغور عما لا يقل عن ثلاث وزارات ... وتوقعت «المغرب» أيضا ، أن يكون التعديل أوسع من المنتظر وفي اتجاه محاصة جديدة تشمل مكونات الحزام الدّاعم ...(المغرب 10 جانفي 2021)
فلا يخفى على المتابعين أن التعديل الجديد فرضت فيه النهضة ما أرادت وأمنت المواقع الّتي تعتبرها حساسة بشكل لا يهدّدُ مصالحها، ولكنها ظلت تلوح برفضها التصويت على منح الثقة لوزيرين و ذلك بغاية الضغط والمساومة والمقايضة ، لتثبيت من تريد .
ولكن هذا التحوير ينتقده شركاء النهضة وبقية التشكيلات السياسية المعارضة معتبرة أن رئيس الحكومة رهينة بين أيدي النهضة الّتي تفرض عليه إملاءاتها ،مما سيساهم في عزله شيئا فشيئا عمن كانوا في موقع المساندة النقدية له.
إن جلسة بعد غد ، ستكشف عن هشاشة أو صلابة الحزام الّذي يستند إليه ريس الحكومة، والّذي كان يعوّل أساسا على الثلاثي الّذي لم يعد متماسكا بسبب المستجدات في حزب قلب تونس و إزاء الموقف من الإبن المدلّل للنهضة إثر إدانة العنف الّذي أتاه تحت قبة باردو.
هذا التقهقر ظهرت تجلياته في موجة الأحداث الأخيرة الّتي أفضت إلى زعزعة الإستقرار و ساهمت في تحدّي الدولة، بالتطاول على مؤسساتها و خلق حالة من التوتر العام بعد توسع نطاقها من حالات متفرقة تجاوزت الاحتجاجات السلمية إلى نوع من البلطجة و قطع الطرق و نهب الملك العام والخاص ، إلى موجة تذمر شبابية أكثر تعبيرا في شارع بورقيبة عن حالة الإحتقان.
وكالعادة تكثر القراءات و التحاليل دون استخلاص أي درس و دون المعالجة الجادة لأسباب هذا التدهور الّذي تعمّق بتبعات جائحة «كوفيد 19» التي أضعفت قوى الإنتاج و الخدمات وتضررت منها أغلب الفئات.
جميع هذه الفئات تجد نفسها مجبرة على متابعة مختلف اللوحات والمشاهد على مسرح البرلمان والحكومة أمام متابعة سلبية لرئاسة الجمهورية الّتي تجد نفسها للمرّة الثانية ضحية لإختيارات بدأت تُضعفها و تدخلها في مسار متابعة الأحداث وردود الفعل، دون أن تفتك زمام المبادرة لمحاولة إخراج البلاد ممّا هي فيه.
هذه السلبية في التفاعل مع الأحداث و غياب روح المبادرة الخلاقة ، جعلت الفتاوى السياسية والقانونية تتكاثر في أوساط رئاسة الجمهورية، حول كل المستجدات، إلى درجة الحديث عن استعمال آلية رفض تقبل رئيس الجمهورية لأداء اليمين للوزراء المقترحين في صورة نيل ثقة البرلمان.. ثقة سيعمل المشيشي على نيلها كي يبقى في حلبة الصراع على السلطة، في حين أن هاجس نيل ثقة أوسع الفئات بقى منسيا في طريق مسدود.
كل ذلك دون أن ينتبه أحد إلى تبعات تواصل الصراع وآثاره في مجريات الاحداث ، في مرحلة توقفت فيها «آلية الحوار» عند العقبة ،و أمام تعبيرات يائسة أو منظمة للشارع ، في مناخ توقعنا أن يكون «شتاءا من الجمر»...
موازين الثقة بين البرلمان والشارع
- بقلم المنجي الغريبي
- 11:22 25/01/2021
- 1208 عدد المشاهدات
للمرة الرابعة خلال عام وثلاثة أشهر تنعقد جلسة عامة لمجلس نواب الشعب في تونس للتصويت على منح الثقة لأعضاء حكومة