هشام المشيشي في انتظار جلسة منح الثقة: 72 ساعة لإنقاذ تحويره

يوم الثلاثاء القادم سيكون مفصليا لكل من هشام المشيشي رئيس الحكومة وحزامه البرلماني الداعم له، فهو موعد الجلسة العامة المخصصة للمصادقة على التحوير الوزاري الذي بات يمثل تحديا لكليهما.

فالمشيشي الذي اختار الاعلان عن هوية وزرائه المرشحين لتقلد 11 حقيبة وزارية قبل سبر آراء حزامه البرلماني وضمان دعمه التام له، وضع نفسه وداعميه امام حتمية القبول بالأمر الواقع وتمرير تحوير بات « يحرج » اكثر من كتلة وحزب او اسقاط مرشحين تلاحقهم شبهات الانتماء الحزبي او شبهات الفساد وتضارب المصالح مما يعنى توجيه «ضربة» الى رئيس الحكومة.

حتمية باتت تؤرق الطرفين، المشيشي وحزامه. اذ أن رئيس الحكومة الذي شدد غداة الاعلان عن تحويره الوزاري انه حافظ على «فلسفة وطبيعة» الحكومة : كحكومة مستقلة غير متحزبة وتضم كفاءات لا يشكك في نزاهتها. تمسّك بالدّفاع عن هذه الحكومة على اعتبارها خياره واجتهاده الشخصي الذي لن يتراجع عنه.

هذا الخروج والصورة التي تقدم بها باتت طوقا يلف رقبته. اذ انه وبعد التلويح برفض التنازل عن خياراته وعدم القبول بتعديل التحوير، ايّا كان الضغط المسلط عليه أصبح -اليوم- غير قادر على التراجع ولو لخطوة لان في ذلك ضرب لمصداقيته في الداخل -وذلك الأهم- أو مع الاطراف الدولية التي يخوض معها مفاوضات لتمويل الميزانية.
حشر الرجل نفسه في الزاوية وتخلّيه عن هامش الحركة والمناورة لم يعد فقط سيفا مسلطا عليه بمفرده بل ارتهن معه حزامه السياسي الذي بات اليوم بين خيارين، القبول بما فرضه المشيشي في تحويره رغم الشبهات التي تلاحق بعض مرشحيه او اسقاط هؤلاء والذهاب الى توتير العلاقة مع الرجل وإضعافه.

خياران لكل منهما ثمنه الباهظ على الحزام السياسي للحكومة المتكون اساسا من حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة وتحيا تونس وكتلة الاصلاح والكتلة الوطنية. كتل ستعيش في الساعات الـ72 القادمة على وقع المشاورات ومحاولات الوصول الى توافقات وعقد «صفقات» سياسية سواء فيما بينها او بينها وبين الحكومة.
ومرد ذلك ان هذه الكتل ستجد نفسها محاصرة بماضيها مع حكومة الفخفاخ، خاصة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة الذين تقدموا بلائحة سحب ثقة ضد حكومة الفخفاخ على خلفية شبهة تضارب المصالح في أوت الفارط، وصعدوا خطابهم السياسي ضد الفخفاخ وحلفائه في البرلمان تحت شعارات الحرب على الفساد.

حرب اعلنتها كتلة النهضة وائتلاف الكرامة اساسا،لذا سيكونان اليوم مخيرين بين الحفاظ على خطابهما السياسي في ما يتعلق بالحرب على الفساد و تضارب المصالح -وان كان الامر يقف عند الشبهة فقط-، وبين اسقاط هذا الخطاب والقبول بالتحوير رغم الشبهات التي تلاحق ثلاثة وزراء مقترحين على الاقل والاقرار بشكل صريح بان الحرب على الفساد التي يعلنونها تخضع لازدواجية المعايير.

ولان الشرور لا تاتي فرادى فان ما تراهن عيه مكونات الحزام البرلماني للحكومة ليس فقط ما تبقى من مصداقية «تآكلت» منذ بداية العهدة النيابية الحالية، بل العصف بالبيت الداخلي خاصة في كتل مثل تحيا تونس والاصلاح التي وضعت شرطا اساسيا لرئيس الحكومة للاستمرار في دعمه يتمثل في استقلالية الوزراء المقترحين، وهي استقلالية نسفها رئيس كتلة قلب تونس حينما اشار صراحة الى ان من المقترحين شخصية قريبة جدا منهم واخرى من النهضة، ليتجنب القول انهما متحزبين.

هذه التطورات والشبهات تلاحق اعضاء في قائمة الوزراء المقترحين التي وجهت منذ اكثر من اسبوع الى مجلس النواب باتت تمثل تهديدا صريحا للتحوير الوزاري الذي إذا مر وجدت الاحزاب نفسها «محرجة» وتعزز الانطباع العام ضد البرلمان وضدها، وإذا سقط جزئيا توترت العلاقة بينها وبين رئيس الحكومة الذي وان كان في مأمن دستوريا الا انه سيتأثر سياسيا بتداعيات السقوط الجزئي لتحويره.

وضع بات معقدا للطرفين. المشيشي الذي دخل في جولة مفاوضات «عن بعد» مع الكتل لإقناعها بالتصويت لكامل التحوير . جولة يبدو انها ستستمر الى حين انطلاق جلسة منح الثقة - مما يوفر 72 ساعة قادمة للبحث عبر كل الطرق المتاحة له لضمان دعم الكتل الستة لوزرائه الـ11.
في المقابل ستبحث الكتل إلى ان تفتك من الرجل بعض التنازلات وإن كانت شكلية لتبرر تمرير التحوير برمته وتجنب اسقاط مرشحين خاصة الذين تلاحقهم شبهات تضارب المصالح والفساد او الانتماء الحزبي. وستضغط اكثر على المشيشي من اجل ذلك رغم ادراكها انه بات من الصعب جدا تعديل القائمة التي وصلت إلى المجلس وأعلن عنها على رؤوس الملإ.

مشهد يفتح الابواب لاحتمالين لا ثالث لهما، اما مرور التحوير برمته وتحقيق نصر للمشيشي لا فقط على حساب رئاسة الجمهورية بل على حزامه السياسي الذي سيتكبد خسائر بمفرده خاصة النهضة التي انقسمت كتلتها الى شقين. او ان تسقط اسماء في جلسة المصادقة ومعها سيفقد المشيشي الدعم السياسي لحزامه ويصبح اضعف مما هو عليه داخليا وخارجيا بالاساس، إذ لن يستطيع ان يسوق لنفسه كرئيس حكومة له القدرة على اتخاذ القرار وفرضه .وهي الصورة التي يرغب في تسويقها لدى المؤسسات المالية الدولية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115