ولأنّك تعلم علم اليقين أنّ أغلب التونسيات لن يسكتن أمام العنف الممارس عليهنّ فاطرح «قضية المرأة» لأنّها في مثل هذه الحالة، الوسيلة الأمثل «لصنع الحدث» وتحويلك إلى «نائب مرئي» تلتف من حولك وسائل الإعلام حتى تلك التي سبق لها أن تجاهلتك أو قاطعتك عملا بمقتضيات المادّة 58 من قانون القضاء على العنف.
إن وصلت إلى المجلس بخطاب دعويّ يتّخذ المنبر والمسجد مطيّة لشنّ الحملات التكفيرية على العلمانيين «والملحدين واللوطيين» والنساء المتبرّجات والسافرات والعاهرات...فاستمر في ممارسة الدعوة وفسّر آيات القرآن وفق اعتبارات أيديولوجية سياسية وأخرى ذكوريّة واشتم والعن وعيّر و«اقذف المحصنات» ولا «تستوصي بهنّ خيرا» ولا تكن كريما بل لئيما يُدرك كيف يهينهنّ. وإن مارست الدعوة «لتنويم» الجموع وإيهامهم بأنّ المقدّسات في خطر فلا تفوّت الفرصة لتعبئة الأنصار ضدّ الهايكا والعن وكفّر ‘السنوسي’ ثمّ ابسط يدك ليقبّلك الأتباع ، واحمد ربّك على هذه «التجارة الرابحة» واسجد له وقل ربيّ زدني قدرة على السيطرة على عبادك الجاهلين.
إن كنت منتميا/ة إلى حزب بمرجعيّة إسلامية و«تعرف ربّي»، وفخورا بالمؤسسات الديمقراطية التي أرستها النهضة والانضباط الحزبي، ولا تتوانى عن ممارسة الدعاية السياسية لحزب تتونس وصار «حزب المسلمين الديمقراطيين» فغضّ الطرف عن الانتهاكات والإفلات من العقاب بل حوّل خطاب العنف والتمييز، والسقوط الأخلاق إلى علامة على حرية التعبير، واجعل صاحبه ناطقا نيابة عن شرائح من التونسيين/ات، بل نزّل ذلك في إطار الممارسات الديمقراطية. أمّا إن كنت نائبة فالزمي الصمت فأنت الدرّة المصونة واللؤلؤة المكنونة في مقابل الأخريات: «سقط المتاع».
إن كنت «شيخا» آثر أن ينهي مساره السياسي باعتلاء منبر المجلس وتشارك السلطة مع الرئيسين، وتوقّع أن يحصل «التوافق» فيتحقّق المراد، وينعم بمكاسب «العرس الديمقراطي» وامتيازات السنّ والموقع فخاب ظنّه ببروز فاعلين وعلى رأسهم امرأة قرّروا القطع مع حالة السكون لينطلقوا في الفعل والمساءلة والمحاسبة بلا هوادة وبأداء غير معهود فلا تتوانى عن استعمال كلّ الوسائل والاستراتيجيات وتوظيف الدهاء لحفظ ماء الوجه. وبما أنّ المرأة فتنة وقرينة الشيطان ورمز الفوضى فإنّها المسؤولة عن خروج نواب المجلس من جنّتهم. واللعنة على «أشباه الرجال» الذين لم يتعظوا إذ «ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة».
إن كانت تعوزك الثقافة المعمّقة والحنكة وليست لك دراية بعلم الاقتصاد وعلم الاستشراف وفنّ السياسية وإدارة الأزمات...وتعجز عن صياغة تصوّر وموقف واضح فاستعض عن فنّ الخطابة وبلاغة القول وطرق الاستدلال والحجاج والرأي السديد والبيان المبين بفحش الكلام وسلاطة اللسان وحركات الجسد التي تظهر أقبح ما فيك، وعوّل على الصراخ والسباب والشتم، ولا تتردّد في إبراز كرهك للنساء ولعن «زريعة بليس» حتى تحدث «الضجيج» فتلتف حولك عصبتك لتصوّر الفيديوهات وتنشر بطولاتك الوهمية فيذيع صيت الصعلوك و«البلطجي» و... بدل السياسيّ المميّز.
إن لم تفتح في حياتك كتابا حول الحداثات وما بعد الحداثات ولم تقرأ سطرا حول مدنيّة الدولة واللائكية والعلمانيات والنسويّة وما بعد النسويّة والعنصريّة والبطريكية وغيرها من المصطلحات والمفاهيم والنظريات، واتّخذت الحداثة والتقدّمية والديمقراطية مطيّة لكسب أصوات الغافلين والغافلات ووسيلة للتموقع، وارتأيت أن تتزيّن بثوب الحداثة الماديّ (قلادة، وقرط، وسيجار،وسيارة فخمة ...) فلا تظهر غضبا حين تنتهك كرامة النساء واستمر في تجاهل ما يجري من حولك ولذ بالصمت فالكلام في المجلس مرتبط بالمصالح والإيلافات ولا عزاء للسيدات اللواتي انتخبنك ظنّا منهنّ أنّك المخلّص من «الظلاميين».
إن كنتِ قد حللت بالمجلس وفق شروط النسب والمصاهرة وبتزكية فلان وبتوصية من «الشيخ» أو ضغط مارسه أرباب المال أو الإعلام ...فنامي مرتاحة البال، واستمرّي في خدمة النظام البطريكي .فللنضال والتمكين والفاعلية شروط لا تلمّ بها جميع النساء وللمقاومة أهلها.
ولأنّ القوم لا يحبّون دخول الدور من الأبواب ويعشقون البصبصة والتلصلص وتدبير الدسائس وفقه الحيل فقد تركوا جانبا ما وفرته الدورات التدريبية للمترشحين والمترشحات من تكوين سياسي، وهدروا الأموال والجهود والأوقات واختاروا وصفات تعكس ثقافتهم الفرعية وفهمهم للديمقراطية على أنّها الذهاب إلى الصناديق.
لاشكّ عندنا أنّ الديمقراطية المرتكزة على المشاركة وتوزيع السلطة والحقوق والحريات والتعددية لم تترسّخ بعد في أوطاننا لغياب الثقافة المتينة والوعي.