أمام الخطاب الظلامي، حلّ واحد: المقــــاطعة !

لقد شاهدنا كل شيء في هذه الأيام القليلة الماضية في مجلس النواب الممثل (النظري على الأقل) للإرادة الشعبية: خطاب ظلامي تكفيري يزدري المرأة

ويحصرها فقط في آلتها الجنسية ثم السبّ والشتم والتهديد وصولا إلى العنف المادي والاعتداء الجسدي بعد سلسلة من الاعتداءات اللفظية السوقية التي شملت خاصة نائبات من كتل مختلفة. والمعتدون هم في الأغلب الأعم من كتلة ائتلاف الكرامة المتبنية بصفة علنية وصريحة لخطاب ظلامي تكفيري .
لا أحد يريد من مختلف النواب والكتل أن يكونوا على شاكلة واحدة ولا أن تنحصر دائرة التعددية في شكل متوسط يعبّر على التفكير السائد، ولكن مجلس النواب بكل مكوناته لا يمكن له أن يخرج عن مبادئ الدستور والأحكام العامة للقانون ..ولكن نجد أنفسنا اليوم أمام خطاب يخرق بوضوح أحكام الدستور وفلسفته ويعتدي على قوانين البلاد وعلى تاريخها الفكري والحضاري الحديث.
انم ما أتاه النائب عن كتلة ائتلاف الكرامة محمد العفاس أثناء مناقشة ميزانية وزارة المرأة يدخل بوضوح في خانة الخطاب الظلامي الذكوري ،الخطاب المعادي لأبسط قواعد العلوم والمعارف الإنسانية والمنكر للمساواة بين الجنسين ما دامت المرأة عنده فرجا لا غير يريد الآخرون (أهل الحداثة) الوصول إليه بينما يريد هو وأمثاله الدفاع عنه وهو بهذا ينفي عن المرأة كرامتها الإنسانية واستقلالية إرادتها وعقلها وتفكيرها وحرية عواطفها وحقوقها وحرياتها الفردية المرتبطة بها كذات إنسانية تماما كالرجل، لا أكثر منه ولا اقل كذلك .
إن من يعتقد أن مثل هذا الكلام يدخل في خانة حرية الفكر والتعبير لم يفهم لا الحرية ولا الفكر خاصة عندما نعلم أن هذا الكلام قيل في بهو السلطة التشريعية ومن نائب كان قد اقسم على احترام مبادئ الدستور وها هو يخرقها وبافتخار كذلك فهو يقول لنا أن دستوركم (المساواة بين المواطنات والمواطنين) وقوانينكم (مجلة الأحوال الشخصية ) إنما هي مداخل للفسق والفجور وانه لا يعترف إلا بتشريع ربّ العالمين وفق فهمه السقيم .
هذا الكلام وتبني كامل كتلته ائتلاف الكرامة له جملة وتفصيلا هو الحدث الأبرز والأخطر في كل ما حصل ولذلك نرفض مزجه مع كل التجاوزات الأخرى التي حصلت من بقية الكتل النيابية ونرفض أيضا مزجه مع العنف المادي الذي حصل يوم أمس على خطورته البالغة ، فكل ذلك – على الأقصى - يدخل تحت طائلة القانون الجزائي ،بينما يخرج الخطاب الظلامي في بنيته والتكفيري في صياغته أصحابه من الدائرة المباحة والمتاحة في النظام الديمقراطي ..
لاشك لدينا أن بروز الخطاب الظلامي بمثل هذه «الأريحية» إنما هو ناجم عن التساهل بل التواطؤ الذي أبدته كتل وشخصيات باعتبار ان كتلة ائتلاف الكرامة كتلة ككل الكتل بل اعتبرها العديد من «المنظرين» جزءا من «الخط الثوري»، بل وتحاورت معها الشخصيات المكلفة بتشكيل الحكومة ورؤساء حكومات كذلك في خرق واضح للواجب السياسي والأخلاقي الملقى على عاتق كل طرف منخرط في المنظومة الديمقراطية ..
ماذا يمكن أن ننتظر من كتلة تتكون من بقايا السلفية الوهابية المتشددة ومن روابط حماية الثورة العنيفة وغير المأسوف عليها سوى هذا الخطاب الظلامي وهذا العنف اللفظي بداية والمادي الآن ؟! لا يمكن أن ننتظر منها سوى المزيد من التطرف والعنف، وبداية التصدي لهذا الانحراف الخطير لا يكون الا بالمقاطعة السياسية لهذه المجموعة ،فالحوار جائز ومطلوب مع كل مواطنة ومواطن حول كل المواضيع الفكرية والاجتماعية ،ولكن مع أصحاب الفكر الظلامي التكفيري فالحوار يكون مضيعة للوقت وتمييعا للقضايا وخلطا في المفاهيم وهدما لأسس العيش المشترك ..
نحن لا نؤمن بهويات جامدة غير قابلة للتطور وللاستفادة من مكتسبات العلوم بأصنافها، ولكن من يتبجح بانتمائه للفكر السلفي المتشدد الظلامي فالديمقراطية تتجاهله وإذا تجاوز حدّا معينا تكون علاقته بالقضاء لا بالأحزاب والهياكل المنوط بعهدتها التشريع وإدارة الدولة .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115