أمام مأزق المبادارات: رئيس الجمهورية أمام مسؤولياته التاريخية

غياب الحماس في تقبّل مبادرة الإتحاد العام التونسي للشغل من قبل رئاسة الجمهورية ومن بعض الأحزاب، تكشف عمق الأزمة الّتي يعيشها المجتمع السياسي في تونس بسبب

عجز الماسكين بالسلطة عن الإهتداء إلى الحلول الكفيلة بتجاوز حالة التفكك و الإنهيار ،و عدم تفاعلهم الإيجابي مع أي مبادرة و لو بقبول مناقشتها و الخوض في مجرياتها .

في السنوات الماضية كان يقال أن ما يحصل في مستهل كل سنة جديدة من احتجاجات و تحركات، أمر عادي في بداية تحولات جديدة يتدرب فيها المجتمع على الممارسة الديمقراطية الّتي كان محروما منها ،و هو أمر يحصل - كما كان يقال - لكل المجتمعات الّتي تعرف ثورات أو تحولات عميقة في النظام السياسي، و لكن ما شهدته تونس في السنوات المتتالية ، كان في اتجاه تواصل التقهقر والتفكّك و تنامي ظواهر جديدة و ممارسات مستحدثة أصبحت توهن الدولة وتضعف مؤسساتها.

ويحدث هذا في ظل انعدام سلطة متحفزة وفاعلة تمتلك الخبرة و البديهة في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب ، ولها القدرة على مراجعة الموقف الخاطئ دون تردّد عند معاينة الأثر السلبي لذلك الموقف مع المبادرة بإصلاحه.
و الدليل على ذلك تراكم الأخطاء وإصلاح الخطإ بالخطإ أحيانا، وعدم التفاعل مع مبادرات دعوات الإصلاح ، وعدم المبادرة بتقديم تصوّر يخرج البلاد من حالة التردي الّتي هي فيها.

لقد تقبلنا بإيجابية حذرة ،مبادرة الإتحاد العام التونسي للشغل بخصوص حوار وطني شامل و اعتبرناها الأقرب للواقع و الأنسب لتجنب لتجاوز جزء هام من الأزمة ، بحكم وزن الإتحاد في المجتمع و بحكم أن هذه المنظمة طرف فاعل في المفاوضات الاجتماعية واعتبرناها مبادرة يمكن أن تتم برعاية من رئاسة الجمهورية و يمكن أن تحظى بقبول العديد من الأحزاب السياسية خاصة تلك الّتي سبق لها أن دعت إلى مثل هذا الحوار الوطني ولو بتسميات مختلفة.

ولكن توقعنا في نفس الوقت، أن يكون الحوار أكثر تعقيدا خاصّة إذا كان غير شامل، لإختلاف أهدافه عن أهداف الرباعي الراعي للحوار ، ولاختلاف متطلبات المرحلة الراهنة عن المرحلة الّتي تلت «اعتصام الرحيل»، غير أنه كان بالإمكان أن تسهم مبادرة الإتحاد في التهدئة الاجتماعية مع انتهاج تمش إستباقي تنخرط فيه جميع الأطراف لحل معضلات المجلة الإنتخابية وتركيز المحكمة الدستورية وملامسة كيفية إصلاح النظام السياسي ، بتعديل الدستور والقوانين الأساسية التي تعيق العمل المؤسساتي والسياسي.

لذلك أمام التعثر الّذي صاحب مختلف المبادرات، يجب أن تتخلص رئاسة الجمهورية من سلبيتها و تتفاعل مع المبادرات و استنباط المبادرة الّتي تراها ملائمة وقابلة للتجميع ، بدل الجلوس على الربوة أو البكاء مع الباكين، وجعل الاوضاع تنزلق نحو التعفن.

إن اقتراحات رئاسة مجلس نواب الشعب و رئاسة الحكومة و بعض الأحزاب لمبادرات أخرى والتي لا يصغي إليها أحد ، مُنبئة بتواصل الأزمة ، بحيث سنكون مرّة أخرى ، إزاء دعوة المتسببين في الأزمة والضالعين فيها ، إلى حل الأزمات بواسطة مبادرات صادرة عنهم أو متحكمون في مجرياتها، و هي بدعة تونسية بإمتياز ستنتهي بالفشل. وبذلك سندخل مرحلة انتظار ما ستؤول إليه تبعات الضغط والاحتقان الّتي تعيشها البلاد على مشارف شهر عّرف بالتململ و الانتفاضات.

إن مجلس نواب الشعب أصبح في حالة شبه شلل و هو يدير أزمته الداخلية و يتابع أوضاع البلاد و يصادق على القوانين دون بوصلة بأغلبية غير مقتنعة وغير مُقنعة ، لتجنب الشلل التام ، و هو ما لا يساعد الحكومة المتذبذبة على المضي قدما في أي عملية إصلاح أمام إنسداد أفق الموارد وتعاظم الديون. وأمام غياب الحلول تتزايد الاحتجاجات و التنسيقيات الّتي حلت محل السلط التمثيلية المحلية والجهوية والأحزاب و النقابات في عديد الجهات ، ممّا جعل مؤسسات الدولة حبيسة سقف المطالب في مختلف الجهات تقريبا .

في ظل هذا المأزق و أمام وضع الشروط المسبقة لإجراء حوار وطني يبدو صعب المنال ، لا بد لرئيس الجمهورية ، أن يتحمل مسؤوليته التاريخية ، بدءا من تجنب التصريح بوجود مخاطر مبهمة والتلويح بمحاسبة و محاربة كيانات غير معلنة، وبالوعد بتحقيق إرادة الشعب بإرادة الشعب مّما فُهم منه أنه تشجيع على تحدي الدولة ومؤسساتها و حلول التنسيقيات محلّها . ولرئيس الجمهورية بما له من سلطة معنوية بمقتضى الشرعية الّتي يكتسبها، أن يلعب دور الحَكَم و أن يُصغي لكل القوى الحية في البلاد ، و ذلك بالتشاور مع أهل الخبرة في كل المجالات ، وأن يدفع نحو وضع خارطة طريق واضحة المعالم والأهداف ، تشخص الإشكاليات و تستبط الحلول وكيفية الإنجاز طبق ما تقتضيه الأوضاع.
إن المخاوف من الإنفلات التام ،تقتضي أن يعلو صوت رئيس الجمهورية بالحكمة والحنكة لتجنيب البلاد المنزلقات المدمّرة ، وأن يُصدع بما يساعد على التجميع و التوحيد من أجل حماية المصلحة الوطنية، مع تجنب ما يحدث التشتت و التفكك و التشرذم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115