من بينهم 5000 إطار مسجدي غير متفرّغين فيما يبلغ عدد الإطارات المسجدية المتفرّغة أكثر من 15000. وتوقّع المتابعون للجلسة أن يقدّم الوزير معلومات ضافية ودقيقة بشأن خطّة الوزارة للتفاعل مع التونسيين في سياق تأزّم فيه الوضع الصحيّ والنفسي والاقتصادي والدور الذي اضطلعت به هذه الإطارات المسجدية أثناء جائحة كورونا. وكان من المنتظر من النواب الذين انتقدوا القرارات الخاصّة بمنع أداء صلاة الجمعة، ومن ناصرهم كالوزير السابق نور الدين الخادمي وغيره أن لا يكتفوا بالدفاع عن المساجد وحقّ الملتزمين بأداء الطقوس الدينية بممارسة الصلاة الجماعية بل أن يبرهنوا على الحاجة إلى مثل هذه الفضاءات في زمن الكوارث والأوبئة وغيرها ، وأن يعرضوا الوظائف الجديدة التي يمكن لهؤلاء الأئمة أن ينهضوا بها حتى يتحوّلوا إلى فاعلين في المجال الدينيّ، وهو أمر سبق للأمين العامّ للأمم المتحدّة أنطونيو غوتيريش،أن وضّحه منذ مارس 2020 حين دعا رجال الدين والأئمة و’العلماء» إلى «تعزيز اللاعنف ورفض كراهية الأجانب والعنصرية وجميع أشكال التعصب الممارس ضد الفئات الضعيفة في المجتمعات»، وناشدهم بأن «يدينوا بشكل قاطع العنف ضد النساء والفتيات مع انتشار جائحة كورونا، ويعزّزوا المبادئ المشتركة للشراكة والمساواة والاحترام والرحمة «.وعلاوة على ما سبق دعا «غوتيريش» إلى «مواجهة انتشار حملات التضليل والمعلومات المغلوطة، ودعم الحكومات في تعزيز تدابير الصحة العامة لمواجهة الفيروس، وضمان أن تكون الشعائر والاحتفالات الدينية وممارسات الدفن متوافقة مع التدابير الاحترازية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية لمواجهة انتشار الفيروس».
والظاهر أنّ المشرفين على الوزارة والقيادات الدينية المتحزبة و’العلماء’ الناشطين في المجال «الدعوي» لم ينتبهوا إلى هذه التوصيات ولم يستوعبوا خصوصيّة السياق ولم يدركوا التحولات الطارئة في العالم بأسره وظلّوا متمسكّين بإجراء قياس غير منطقي بين فتح «البارات والملاهي...» و«المساجد» والحال أنّ أعداد الذين يترددون على دور العبادة هي أكثر بكثير من الذين يقصدون الفضاءات المخصّصة للترفيه وغيرها والتي لا يقبل عليها إلاّ من حصّلوا المال. وبالرغم من وجود نماذج معبّرة عن الرغبة في إيجاد الحلول كإقدام مؤسسة دار الإفتاء المصرية على تجربة نشر الخطب الجمعية المصورة وتشجيعها للأئمة على الانخراط في الثقافة الرقمية فإنّ «العلماء الدعاة والأئمة» تمسّكوا بالمنبر وبالخطاب المباشر وبالخطب التقليدية حول الكوارث والعقاب الإلهي... وهو أمر غير مستغرب مادامت الرغبة في التموقع الأيديولوجيّ والحرص على امتلاك السلطة الرمزية وغيرها من الاعتبارات هي التي تدفع أغلبهم إلى اجترار نفس الخطاب التقليديّ الذي فقد نجاعته.
ولاشكّ عندنا أنّ غياب القدرة على وضع برنامج تأهيل الأئمة، وخاصّة من الشباب على كيفية الإدارة الحكيمة لهذه الأزمات، والعجز عن استنباط خطاب عصري لتوجيه أفراد المجتمع نحو العمل التطوعيّ، والتضامن وتغيير السلوك وإظهار التعاطف عند ظهور المخاطر والأزمات الصحية، والبيئية، والصراعات العرقية، وارتفاع منسوب العنف وغيرها من الظواهر الاجتماعية المهدّدة لوحدة المجتمع فضلا عن عدم القدرة على صياغة رؤية مستقبلية قد جعل أغلب التونسيين يتساءلون عن الأسباب التي تجعل أداء الإطار المسجدي ومن يركضون وراء السلطة المعرفية الدينية وإحياء دور المؤسسة الدينية باهتا لا يرتقي إلى المطلوب.
لقد بقيت الجماعة في برجها العاجي غير قادرة على إدارك الواقع مكتفية بالملاحظة لأنّها لا تملك أجوبة معمّقة عن أسباب ضمور الحسّ التضامنيّ وانهيار المنظومة القيمية، ودواعي ممارسة العنف والعوامل المحفّزة على الانخراط في الإرهاب ونشر خطاب الكراهية والنبذ والوصم... بل إنّها غير قادرة على التأثير في فئات واسعة من الناس. فهل أن التونسيين مهتمّون في هذه الأزمنة العسيرة، بحملات الدفاع عن الرسول ومطالب إقامة صلاة الجمعة و أداء العمرة؟
يبدو أنّ خطابات الأنسنة ودعم قيم التعدديّة واحترام الغيريّة والعيش المشترك وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان والسلم بين أفراد المجتمع لا تشكّل مركز الاهتمام لدى هذه الفئة التي فضّلت أن ترتمي في أحضان الماضي ففوّتت على نفسها فرصة إبراز مدى قدرتها على أن تكون فاعلة، ومناصرة للقضايا العادلة وفي خدمة جميع التونسيين الذين قهرهم الجوع والظلم والعنف والعوز والإقصاء فكانت بذلك على هامش التاريخ.