فيه دون خشية من ان نلاحق قضائيا ونسجن لمجرد انتقاد من في الحكم او أي جهاز من أجهزة الدولة أآو نشر أي رأي قد لا يعجب الاغلبية.
عشر سنوات نقترب من اتمامها ولم تتحسن الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية لعموم التونسيين بل احتدت الازمة ومع احتدامها تعالت الانتقادات التي طالت الفاعلين الاساسيين في المشهد وفي السلطة، محليا او جهويا أو مركزيا، والظن ان الثورة وان تأخرت منجزاتها الاجتماعية والاقتصادية فقد حققت الحريات العامة والسياسية بما يكفل حرية التعبير.
وحتى هذا الانجاز الوحيد المنقوص من الاقرار بالحريات الفردية والذي هون تعثر الاصلاح والتغير بات يشهد انتكاسات متتالية. انتكاسات كانت ماثلة للعيان في محاكمات وملاحقات قضائية للعشرات من التونسيات والتونسيين نشروا تدوينات او نصوصا او مقالات تعتبر دليلا ضدهم لإدانتهم.
هي ادانة يسعى الفاعلون السياسيون والاقتصاديون ومن هم في الحكم وأجهزة الدولة الى اقرارها بحكم قضائي ، يعاقب بالسجن لمن تصدر عنه انتقادات لأي سلطة، تنفيذية أو تشريعية أو قضائية... الخ، انتقادات لم تحرض على الكره او الاقتتال ولم تصل إلى ما بلغته بعض المداخلات في مجلس النواب، ولكن اصحابها وهم من التونسيين الذين نشروا آراء ناقدة وساخرة عبروا عن تقييم لاداء من هم في الحكم والسلطة، اعتبر انّ اداءهم تشوبه الكثير من النقائص او يثير الشكوك، او يدل على موطن فساد.
وقد وثق تقرير لمنظمة العفو الدولية، الصادر منذ أيام بعنوان «تونس: ملاحقات قضائية جنائية بسبب التعبير على الانترنت- واقع القوانين البالية والمعيبة المستخدمة لتقييد حرية التعبير في تونس»، لتكشف عن تعرض اكثر من 40 تونسيا وتونسية الى الملاحقة القضائية على خلفية نشر آراء أو انتقادات لأحد اجهزة الدولة او ممثلي السلطات المحلية او الجهوية او المركزية، اضافة الى نشر ارائهم الخاصة سواء تجاه الأديان او الجسد او الافكار التي لا تتبنى العنف او تحرض عليه وان كانت ساخرة وحادة.
عشرات من التونسيات والتونسيين صدرت ضدهم احكام بالسجن وخطايا مالية ولازالوا ينتظرون مآل القضايا المثارة ضدهم سواء من قبل النيابة العمومية او من قبل اطراف عرفت نفسها على انها تضررت من ما تضمنه النص او الفيديو او الصور المنشورة، أو ممارسة فرد في حيزه الخاص لقناعته او حريته دون إضرار بالاخرين او ارتكاب اي جرم.
ملاحقات تتم وفق الفصل 86 من مجلة الاتصالات أو وفق فصول في المرسوم 115 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر أو بموجب الباب الرابع من المجلة الجزائية المتعلق «الاعتداءات على السلطة العامة» او فصول اخرى تمتاز بتناقضها مع صريح نص الدستور التونسي الجديد ، ولكن يقع اللجوء اليها واعتمادها لملاحقة التونسيين ومقاضاتهم والتي ارتفع نسقها- اي الملاحقات- منذ 2017 الى غاية اليوم.
عشرات من التونسيات والتونسيين الذين سلبت منهم حريتهم لمقالة او تدوينة او رأي ابدوه ونشروه للعموم فاعتمد كدليل على ارتكابهم لجريمة رغم انهم لم ينشروا الدعوات للكره أو القتل أو التجييش ضد طرف بعينه، بل انتقدوا سلوكا أو فعلا سياسيا أو أمنيا ، اي عمل بشري قابل للتقييم والنقد والتجريح على اعتبار انه يصدر عن من يعرضون أنفسهم كممثلين لنا في السلطة او من منحتهم صفتهم الوظيفية صلاحية ادارة الشأن العام.
مريم البريبري، هاجر عوادي، انيس مبروكي، مريم منور، امينة منصور، هشام الماجري، شمس الدين بالحاج على، امنة زويدي عماد بن خود، ايمن البشيني، شاكر الجهمي، محمد ياسين الجلاصي وهو للمفارقة النقيب الحالي للصحفيين التونسيين تمت ملاحقته لعمله الصحفي، شأنه شأن عشرات من الصحفيين والمئات من التونسيات والتونسيين الذين يلاحقون قضائيا بتهم تتعلق بنشرهم لآراء أو معطيات أو تعبيرهم عن موقف او فكرة او كشف قناعتهم وميلهم وافكارهم او مشاركة لنص او صورة، سواء عبر الانترنت او عبر وسائل اعلام او في الفضاء العام.
هذا هو المشهد الحالي في تونس ما بعد الثورة، انتكاسة تحت راية الملاحقات القضائية لحرية التعبير والنشر، نستقبل بها احياء الذكرى العاشرة لاندلاع الثورة من سيدي بوزيد، ثورة كانت تمنينا بالأفضل، ولكننا لم نجن غير تتالي الخيبات والانتكاسات التي تعززت ببروز خطاب الحنين للماضي وللدكتاتورية.
عشر سنوات لم تتغير فيها منظومة القوانين البالية المكبلة للحريات والسالبة لها، مجلس تاسيسي وبرلمان هذه عهدته الثانية، ولكن لا نص قانوني تمت مراجعته حتى يتلاءم مع الدستور وروحه، بل أننا لازلنا تحت نير نصوص قديمة يستنجد بها لملاحقة الشباب خاصة، وهم جيل الثورة.
عشر سنوات ولازالت نصوص قانونية جاثمة على صدورنا وهي كالسيف المسلط على رقاب التونسيين، دون استثناء، الفصل 86 من مجلة الاتصالات ، الفصول 52 ،53 ،55 ،56 من المرسوم 115 والفصول 121 ،125 ،126 ،128، 226 ، 226 مكرر، 230 ، 254 ،246 ، 247 والعشرات من الفصول الاخرى التي وجب اليوم تنقيحها وكف اذاها عن التونسيين.
لا يمكن اليوم ان يستمر التعايش مع هذا الوضع وأن نخضع لازدواجية النص القانوني دستور على هناته يقر بحريات تسلب بنص قانوني او مرسوم، نقر بثورة ولكننا نستنجد بتشاريع كانت من اسباب اندلاع الثورة، اليوم وبشكل واضح وصريح لابد ان يكون تنقيح القوانين أولوية وأن تراجع سياساتنا الجزائية.