في 2016 وثانيا عندما حقق نتائج غير متوقعة تجعله اليوم على مشارف انتصار ممكن وإن كان مستبعدا للغاية إلى حدّ هذا الساعة..
الانتخابات الرئاسية الأمريكية تفرض نفسها على كل دول العالم حتى وإن لم تكن متأثرة كثيرا بما يجري في بلاد العمّ سام كما هو حال بلادنا ،ولكن الطريقة التي تدار بها الدولة الأعظم في العالم اقتصاديا وعسكريا وسياسيا ستنعكس حتما على كل بلاد المعمورة ..
أيا كانت النتائج النهائية لهذه الانتخابات فقد أثبت ترامب أنه يمثل حوالي نصف الجسم الانتخابي الأمريكي رغم معاداة الغالبية الساحقة للنخب الفكرية والثقافية والفنية والإعلامية والاقتصادية لسياساته الداخلية والخارجية مثبتا مرّة أخرى أن ما نسميه بالشعبوية المحافظة لها حاضر ومستقبل كبيرين في مناطق كثيرة في العالم ..
تشير المعطيات المتوفرة لدينا إلى حدود طباعة الجريدة إلى أن هنالك تقدما طفيفا لجو بايدن في الولايات التي لم تعلن بعد عن نتائج أولية بما يجعله يفوز بالأغلبية المطلقة لكبار الناخبين (270) حتى لو خسر ولاية بنسلفانيا (20 من كبار الناخبين) والتي تنصب على مراقبتها كل الجهات أمريكيا ودوليا .
لقد حطمت هذه الانتخابات كل الأرقام القياسية، من عدد المقترعين : حوالي 160 مليون ناخب ، أي أكثر بـ25 مليون مقارنة بسنة 2016 ونسبة المشاركة (%66) هي الأرفع في أمريكا منذ 120 سنة وقد يعود ذلك، جزئيا،إلى إمكانية التصويت عبر المراسلة ، وهذه الإمكانية التي تثير غضب دونالد ترامب قد تكون البوابة التي سيدخل منها للطعن في سلامة العملية الانتخابية ،فالساكن الحالي للبيت الأبيض لا ينوي مطلقا مغادرته حتى لو أدى به الأمر إلى استنفاذ كل سبل التقاضي والضغط على الجهات المسؤولة الآن على سير عملية احتساب الأصوات وغدا على الجهات القضائية الولائية والقومية وعلى رأسها المحكمة العليا والتي يتمنى ترامب أن «تنصفه» في حربه هذه من اجل مواصلة قيادته للولايات المتحدة .
ويبقى السؤال الأهم : ما الذي سيتغير دوليا وعربيا وتونسيا لوفاز بايدن أو استمر ترامب في الحكم ؟
بداية للإجابة عن هذا السؤال لابد من الوقوف بعجالة عند ما غيّره ترامب أمريكيا ودوليا خلال سنوات حكمه الأربع ..
المفارقة الكبرى أمريكيا هي التراجع عن كل ما اعتبر مكاسب اجتماعية أو مجتمعية خلال عهدتي سلفه باراك أوباما ولكن في المقابل تمكن ترامب بفضل سياسته الحمائية العدائية من تنشيط القطاع الصناعي وإبقاء البطالة في نسب منخفضة للغاية (3،5 ٪ في سنة 2019 وهي الأدنى خلال نصف قرن)وهذا ما يفسر شعبيته عند الطبقات الشعبية والفقيرة من البيض وكذلك جزئيا عند الأقليات الأخرى وخاصة الجالية اللاتينية النشيطة جدّا في هذه الانتخابات.
نحن هنا أمام شرخ واضح أمريكيا بين الفئات المستفيدة من العولمة وتلك التي تضررت منها في حياتها اليومية بحكم تراجع الصناعة مقابل قطاع الخدمات،وهذا الشرخ لن ينتهي مع خسارة ترامب على افتراض حصولها بل سيشجع دون ريب شخصيات شعبوية ولاسيما في الحزب الجمهوري للعودة بقوة بعد أربع سنوات ..
واللافت للنظر هنا أن الإدارة الكارثية للأزمة الصحية في أمريكا جراء جائحة الكورونا لم تؤثر مطلقا على حضور هذه الشعبوية المحافظة في الأوساط التي تتغذى منها انتخابيا ..
خارجيا اتسمت سياسة ترامب بعدوانية كبيرة لا فقط تجاه الصين والحرب الاقتصادية المفتوحة ضدها بل وأيضا مع حلفائه في أوروبا والكندا والمكسيك،كما تميزت هذه السياسة بتجذير ما يسمى بالانعزالية الأمريكية: انسحاب من اتفاقيات باريس حول المناخ ومن اليونسكو وأخيرا من منظمة الصحة العالمية ،وتهديد حلفائه في الحلف الأطلسي بأنه لن يوفر لهم المظلة الأمريكية ما لم يرفعوا مساهماتهم المالية في هذا الحلف ..
من هذه الناحية لن يتأسف الكثيرون على عهد ترامب ،باستثناء إسرائيل التي نالت كل ما أرادت معه وخاصة تفعيل الاعتراف بالقدس كعاصمة للدولة العبرية والضغط على عدد من الحكومات العربية للانخراط في قطار التطبيع .والأسف سيشمل - ولو بدرجة أقل - بعض حكومات دول الخليج العربي، ولكننا لا نعتقد أن الأمر سيتغير جذريا بالنسبة الى كل هؤلاء مع ولاية منتظرة لجو بايدن ..
لاشك أن الأساسي في السياسة الخارجية الأمريكية لن يتغير كثيرا فالساكن الجديد المفترض للبيت الأبيض سيواصل سياسة توفير شروط استمرار الهيمنة العلمية والعسكرية والاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة وما يعنيه هذا من تشديد الخناق على المنافس الجدي الوحيد : الصين، ولكن بطرق ديبلوماسية تقليدية تراعي المظاهر وتحترم «المقامات» ولكن دون تغيير جوهري يذكر ..
أما مع روسيا بوتين فالمتوقع ان تكون العلاقة أكثرا توترا لا فقط لرسم قطيعة مع سياسة سلفه بل وكذلك لان الدور السياسي والعسكري لروسيا قد تعاظم في هذه السنين الأخيرة ،ولا يتوقع ان يسمح البيت البيض يتواصل هذا التمدد الجيوسياسي لعدو الأمس ولمنافس اليوم. وضعية أوروبا ستشهد مفارقة من صنف جديد، فالعلاقة بين ترامب وجل قادة القارة العجوز سيئة وهذا ما دفع بأهم الدول الأوروبية إلى التفكير بجدية في التعويل على الذات ..ولكن عندما يختفي هذا التوتر مع بايدن قد تعود أمريكا إلى عادتها القديمة وهي فرض إرادتها على «العالم الحرّ» بما يجعل الاتحاد الأوروبي ،مرة أخرى ،في دور التابع جيوسياسيا..
بالنسبة لتونس لا يمكننا بصفة جدية ان نتحدث عن تغيير ملموس لا ايجابيا ولا سلبيا وذلك لسبب بسيط : بلادنا لا تزن كثيرا في المعادلة الجيوسياسية الأمريكية،ثم إن أزماتنا المتفاقمة وهشاشاتنا المتعددة تجعل كل الحلول – على عكس ما يعتقد الكثيرون –داخل حدود الوطن لا خارجه .. وعلينا جميعا العمل على إنقاذ البلاد وذلك بغض النظر عمّن سيحكم غدا في البيت الأبيض..
الانتخابات الرئاسية الأمريكية ما الذي سيتغيّر ؟ تقدم طفيف لبايدن وترامب لن يقبل بهزيمته
- بقلم زياد كريشان
- 11:14 05/11/2020
- 1755 عدد المشاهدات
للمرّة الثانية على التوالي يُكذّب دونالد ترامب كل توقعات مؤسسات سبر الآراء الأمريكية،أولا عندما فاز على هيلاري كلينتون