ويتواصل مسلسل البشاعة: الإرهاب يضرب الإنسانية مجدّدا في فرنسا !

ضرب الإرهاب السلفي الجهادي المعولم مرّة أخرى في فرنسا واختار منفذ هذه العملية الجبانة والشنيعة هذه المرة كنيسة بمدينة نيس وقتل بسلاح

أبيض ثلاثة أشخاص وحاول ذبح إحدى الضحايا وللأسف تشير الأبحاث الأولية أن مقترف هذه الجريمة النكراء تونسي الجنسية وصل إلى ايطاليا في شهر سبتمبر الماضي بصفة غير شرعية ودخل التراب الفرنسي منذ أيام قليلة..
نريد أن نقول في البداية أن هذا الإرهاب الاسلاموي قد ضرب ،مرّة أخرى ،الإنسانية حتى وإن اختار لها هذه المرة ألوان فرنسا، وان كل ربط او محاولة ربط بين هذه الفضاعات وبين فرنسا أو سياساتها الخارجية أو نمط عيشها أو طبيعة الحريات القائمة فيها، أو الحق المضمون في السخرية من كل المعتقدات والمقدسات إنما هو تبرير للإرهاب ولإراقة الدماء مهما كان التحذلق اللغوي المستعمل ومهما كان بعد ذلك التنديد الشفوي بالإرهاب..

الإرهاب عامة والإرهاب السلفي الجهادي المعولم خاصة لا مبرر له اجتماعي أو اقتصادي أو ثقافي أو جيوسياسي فهو يضرب كلما أمكن له ذلك ، في الغرب والشرق،في الشمال والجنوب،في البلاد الإسلامية المحافظة جّدا وفي تلك التي تعرف نسمات هامة من الحرية..

الإرهاب السلفي الجهادي المعلوم لا يعادي فرنسا خاصة أو أوروبا أو تونس أو الجزائر أو السعودية أو الولايات المتحدة الأمريكية أو الصين، انه يعادي الإنسانية عامة ويعادي حرية الإنسان في العيش وفق قناعاته الفلسفية والدينية ويعادي كل النظم لائكية كانت أم محافظة،ديمقراطية أم استبدادية، انه يعادي كل من خالف أوهامه العقائدية المدمرة والدموية،وحتى عندما يبدو انه يعمد إلى بعض الأسباب المباشرة فذلك دوما عرضي بالنسبة إليه ويبقى الأساسي إرهاب كل من يخالف هذه الإيديولوجية الإرهابية الدموية..

لكل هذا لا ينبغي علينا التلكؤ في التعبير عن المساندة غير المشروطة لضحايا هذا الإرهاب الذي ضربنا وضرب غيرنا والتعبير عن تعاطفنا اليوم مع الشعب الفرنسي،تعاطف وتضامن مطلقان لا يحتملان أي تنسيب أو خجل أو ضعف.

ينبغي هنا أن ننتبه الى خطر داهم لا يهدد فرنسا أو أي بلد على حدة ،بل يهدد السلم الأهلية في مناطق عدة في العالم ويتمثل في استهداف متكرر لبعض البلدان ذات الوجود الإسلامي الهام قصد خلق مناخ عام معاد لا فقط للإرهاب الاسلاموي أو لحركات الإسلام السياسي الراديكالية بل لعامة المسلمين أو من يعتقد أنهم كذلك بحكم الاسم أو اللون أو أي مظهر خارجي وحلمهم الأساسي هو أن يتعرض بعض أفراد الجاليات العربية أو الإسلامية إلى أعمال عنف بحكم هذا المناخ المعادي وهكذا يتحقق حلمهم في حرب يريدونها شاملة بين «الإسلام والكفر» وان يجندوا تبعا لذلك بعض الشباب التائه في تلك البلدان ...

هذا هو مخطط الإرهاب السلفي الجهادي المعولم في فرنسا وفي كل بلاد يمثل فيها المسلمون أقلية وازنة ديمغرافيا،فهم يحلمون بصراع دموي عنيف بين الحضارات والثقافات والديانات وهكذا يتمكنون من إيجاد الحاضنة الشعبية لمشاريعهم الدموية ..
لابد أن ندرك في تونس وفي فرنسا وفي كل البلدان المستهدفة من الإرهاب السلفي الجهادي المعولم – وما أكثرها – هذا الرهان الاستراتيجي لجماعات الدم وأن نعمل سويا على إحباط هذا المخطط.

هذا لا يعني أن يصطف البعض وراء البعض الآخر أو عدم نقد سياسة داخلية أو خارجية لأي بلد ولكن لابد من توضيح خطوط التماس بقوة وان نقول بوضوح أن مناخ الشحن ضد الآخر لاعتبارات دينية أو قومية إنما هو المناخ المفضل للجماعات الإرهابية .

لاشك أننا مدعوون في الشمال والجنوب إلى نقاش جدي وهادئ حول علاقة الدين والتدين بالفضاء العام وعلاقة كل أشكال التدين بقيم الجمهورية وحقوق الإنسان – ومن أهمها حرية التفكير والمعتقد – وأن نعمل على دعم عناصر العيش المشترك ومحاربة كل تعصب وتطرف يشيطن الآخر ويستعديه.
لدينا جميعا عمل كبير من التفسير ينبغي أن نقوم به في كل الأوساط وخاصة لدى الشباب لنشر قيم الاحترام المتبادل وقبول الآخر وعقلنة الحماسة الدينية وعدم اللعب على العواطف الملتهبة ..

اليوم يضرب الإرهاب السلفي الجهادي المعولم الإنسانية في فرنسا ،وغدا سيضربها في مكان آخر من العالم، والمسؤولية الملقاة علينا جميعا أن نحارب هذا الإرهاب وكل الطرق المؤدية إليه وأن نتضامن بكل قوة مع ضحاياه وأن نرشّد كل ردات الفعل وان نحبط كل مخططات الصدام والاستفزاز حتى لا نترك لهذا الكابوس الدموي أي موطئ قدم لا في الأعيان ولا في الأذهان.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115