تقودها المصالح وتبادل المنافع الترويكا الجديدة وسياسة الهروب إلى الأمام !

لعل متلازمة حصان طروادة (le syndrome du cheval de Troie) من أهم الدروس الكونية في الحماقة السياسية وفي قدرة بعض

من يعتقدون أنفسهم دهاة السياسة في تحويل نصر قادم إلى هزيمة نكراء بفعل الجشع المفرط والرغبة في الاستحواذ على كل شيء ..
يبدو أن الترويكا الجديدة المؤلفة اليوم من المؤلفة قلوبهم والمؤتلفة مصالحهم من النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة بصدد تكرار هذه التراجيكوميديا الإنسانية في سرعة تحويل انتصار بات شبه مؤكد إلى هزيمة مدوية ..

وعنصر الجشع هنا واضح وجلي ، إذ بعد تحويل الوجهة السياسية لصاحب القصبة من قرطاج إلى باردو مقابل منح ثقة كان مشكوكا في إمكانيتها هاهي هذه الترويكا الجديدة تريد قبض المرابيح وبسرعة وذلك بعد أن اعتقدت أنها أحكمت حبال الود مع رئيس الحكومة هشام المشيشي وأن هذا كاف لوحده لتحقيق سلسلة منافعها الجديدة بدءا من تحطيم عقبة كأداء وهي الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) بوضع اليد عليها عبر تنقيح المرسوم 116 لسنة 2011 المحدث لها وانتخاب هيئة جديدة بأغلبية بسيطة مقدور عليها (109 نائبا بدلا من 145 الضرورية للهيئات الدستورية )ثم إلغاء نظام الترخيص وكراس الشروط والتشريع للانتصاب الفوضوي الإذاعي والتلفزي ورفع الضغط المسلط على القنوات

الموالية والصديقة ، فتفتقت «الأدمغة المفكرة» لقيادات هذا التحالف عن خطّة رأوا أنها نافذة لا محالة: مبادرة تشريعية لأحد أضلعها (ائتلاف الكرامة ) لتعديلات على المقاس للمرسوم 116 ثم إقرار الحالة الاستثنائية لمجلس نواب الشعب وسط لغط ومرور بقوة في جلسة 6 أكتوبر التي شابتها شوائب عديدة وصفتها المعارضة بالتزييف والتزوير وآخرها إقناع الصديق الجديد بسحب مشروع الحكومة المنظم لهذا القطاع والذي تم الاشتغال عليه منذ سنة 2016 وذلك للتصدي للركن الأساسي للطعن في دستورية مشروع الترويكا الجديدة لو كتب له المرور في المجلس باعتبار أن لمشاريع الحكومة الأولوية على مبادرات النواب ، فلما سحبت الحكومة مشروعها ليلة الجلسة العامة انتفى الحرج حسب اعتقادهم ..

والغريب أن الترويكا الجديدة تريد تقديم هذه التنقيحات باعتبارها انتصارا للحرية وللديمقراطية في حين أنها تشرع بوضوح للإفلات من العقاب للقنوات الخارجة عن القانون اليوم ثم هي تفتح على مصراعيها أبواب التمويل المشبوه للإعلام السمعي البصري المحلي والأجنبي على حد سواء ولا يهم إن كانت كل الهياكل المهنية للإعلاميين والجمعيات الحقوقية واتحاد الشغل وقوى ديمقراطية عديدة ضد هذا الخرق الفاضح لدولة القانون ولتنظيم قطاع بمثل هذه الحساسية وفق مبادئ الشفافية والتزام التعددية والالتزام بقواعد أخلاقية دنيا تقوم على احترام حقوق الإنسان وقداسة الذات البشرية ..لا يهم كل هذا ما دام التحالف الحاكم الجديد سيجني ثمارا مباشرة من قانون كهذا لو كتب له أن يرى النور ..

تظهر متلازمة حصان طروادة في هذه الهرولة إلى تحقيق منافع فئوية مشبوهة للغاية في حين أنه كان بإمكان الأغلبية النسبية في مجلس النواب أن تثبت أن مصلحة البلاد عندها أهم من مصلحة قيادات أحزابها وذلك بعرض مشروع الحكومة المتكامل حول الإعلام السمعي البصري وان ينتخب المجلس بالأغلبية المعززة( 145 نائبا) أعضاء الهيئة الدستورية الدائمة للإعلام السمعي البصري بدلا من تكتيكات فجّة لم يعد بالإمكان أن تمرّ في تونس اليوم حتى لو كانت لهذه الترويكا أغلبية نسبية او حتى مطلقة في البرلمان..

ثم سوف تهدي هذه الترويكا المتكالبة على مغانم صغيرة هدية لا تقدر لغريمها رئيس الدولة والذي عبّر منذ يوم أمس عنداستقباله للوزير المكلف بالعلاقة مع مجلس النواب على «خطورة خرق أي مبادرة تشريعية لأحكام الدستور أو خضوع بعض المبادرات لحسابات ومصالح الأحزاب أو اللوبيات السياسية والاعلامية في مخالفة واضحة لنص الدستور».
صدق القدامى عندما قالوا : الحيلة في ترك الحيل !

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115