بلا زاد و لا بوصلة: قوى وسطية تبحث عن الموقع الوسط !

ما أعلن عنه الأستاذ أحمد نجيب الشابي في بحر هذا الأسبوع بخصوص تشكيل تحالف جديد بين حزبه «الحركة الديمقراطية» ومجموعتين من حزب «نداء تونس»

و حزب «الأمل» التي تتزعمه السيدة سلمى اللومي مع عدد من قدماء المناضلين والمستشارين البلديين، أعاد إلى الأذهان ما تمّ تداوله بعد تفكك حزب نداء تونس و تغوّل حركة النهضة في مختلف مفاصل الدولة. 

وللتذكير فإنه بعد تسرّب التفكك داخل حزب نداء تونس توالت التصريحات والمحاولات حول تشكيل إئتلاف أو جبهة وسطية تلمّ شتات القوى الّتي كانت تبوّب نفسها في طليعة القادرين على إعادة بناء دولة مدنية حداثية تحقّق ما تصبو إليه أوسع فئات الشعب .

لذلك تبنى أغلب الّذين مسكوا المواقع الحزبية التي شاركت في الحكم بعد جانفي 2011 ، هذه الفكرة وعقدوا الندوات الصحفية وأصدروا البيانات و اعتلوا المنابر الإذاعية و التلفزية للتسويق لهذه القوة الوسطية، الّتي أُعتبرت «قارب النجاة» فجعلها بعضهم شعارا مركزيا لحملاتهم الإنتخابية للتشريعية و الرئاسية، و لكن فشلت الأغلبية الواسعة في إقناع الناخبين بهذا «الشعار» و غرق أغلبهم في الأمواج المتقلبة إلى درجة خفوت صوت بعضهم.

هذه الفكرة «الجميلة» في ظاهرها تستند إلى مبرّرات تضع في أولوياتها، قلب موازين الحكم ضد حركة النهضة وحلفائها مرورا بمرحلة إحداث التوازن. و لكن تفتقد في الواقع للآليات الكفيلة بتمكينها بإقتاع المواطنين بقدرتها على التغيير وبإمكانية تحقيق نقاط إيجابية في ممارسة السلطة وتجاوز الأزمة الّتي تعيشها تونس اقتصاديا واجتماعيا، خاصة وأنها سجلت سابقا فشلها في تحقيق ما وعدت به.

فمحسن مرزوق الّذي انشق عن حزب نداء تونس أعلن منذ تأسيس حركة مشروع تونس عن مسعاه لتأسيس جبهة سياسية وسطية وأعلن في أواسط ديسمبر 2016 أنه بصدد التشاور مع حركة نداء تونس والاتحاد الوطني الحر والحزب الاشتراكي وحزب العمل الوطني الديمقراطي وحزب الثوابت مع شخصيات، ولكن لم تسفر هذه المساعي عن قلب أية موازين.

وتتالت المحاولات من أحزاب أخرى وتشكيلات أخرى و آخرها مساعي «حزب الأمل» في جويلية 2019 الّذي دعا القوى الوسطية الى التقارب من أجل بناء جبهة وسطية اعتبرها المكتب السياسي للحزب الحل الوحيد لتجاوز الخلافات وتفكك العائلة الوسطية.
نفس المحاولات تمت صلب مجلس نواب الشعب بما سميت بالجبهة البرلمانية الوسطية التقديمة.

ولكن رغم بوادر التقارب و النجاح النسبي في السنة البرلمانية المنقضية، بقى التشرذم سيد الموقف، لعدم ثبات الأحزاب وكتلها المتبنية لفكرة التيار السياسي الوسطي، على موقف موحد متين، له تصورات لتحقيق أهداف استراتيجية واضحة المعالم.

في هذا الإطار تأتي المحاولة الأخيرة لتشكيل هذا الإئتلاف الوسطي بغاية توسيع قاعدته - حسب الداعين إليه – وذلك بتشكيل جبهة سياسية تجعل التونسيين يتركون موقع المتفرج و يتخلون عن العزوف عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية و ذلك لإنقاذ البلاد واحداث تغيير ملموس بحلول سنة 2024 .
ولا تشذ هذه المحاولة عن سابقاتها بما أنها تهدف إلى مواجهة حركة النهضة وحلفائها الّتي بدت متبنيّة لمشروع إقليمي متكامل للهيمنة و هو ما يشكل خطرا - حسب أصحاب الفكرة - على مقومات الدولة الحديثة.

هذا الهدف لا يكفي لوحده لتوسيع قاعدة التحالف أو الإئتلاف ، و لإنجاح المسار الجديد المعلن ، و هو نفس الشيء المنطبق على معارضة الحزب الحر الدستوري، إذ اكتفى ببناء مشروعه على معارضة النهضة، وهو أمر يسعى إلى تفاديه بالتذكير الدّائم بالبرنامج المتكامل الّذي يدافع عنه هذا الحزب.
كما أن الحديث عن حزب جديد - نسبيا - بلباس جديد لا يصح بتشكيلات و شخصيات قديمة ،خاصة إذا ثبت عبر الانتخابات أن رصيدها الشعبي - أقل ما يقال فيه ، أنه غير مقنع أو غير كاف لتصدر المواقع الأولى. وبعبارات أوضح لا يمكن الحديث عن فريق جديد بلاعبين قدماء . وهذا ما أصدع به مرزوق الّذي وضع نفسه هذه المرة في مرتبة المكوّن (Formateur) لجيل جديد من السياسيين معبّرا على تشرفه بتولي هذه المهمة وتخليه عن مركز القيادة، مسديا النصح لغيره من الزعماء باتخاذ نفس الموقف.

دون إحباط عزائم المقدمين على هذا المشروع، نتبيّن من ردود الفعل المسجّلة ما يؤكّد صعوبة مهمة تشكيل هذا الإئتلاف، لأن الواقع في تغير دائم و لو في نفس الدائرة، ولا يمكن أن تكون لنا مقاربات لهذا الواقع دون أفكار و دماء جديدة، ودون التفكير في الفعل الآني للمساهمة في تجاوز ما نحن فيه. فالحقيقة التي يعاينها التونسيون اليوم، أن العزوف لم يعد متوقفا على المواطنين، بل أن العزوف أصبح يشمل حتى التشكيلات الحزبية الّتي تشرذمت وتقوقعت ولم تعد قادرة حتى على الاصداع بمواقفها بخصوص المستجدات. فأغلبها «كالحلزون» صائم، في انتظار أيام ممطرة.هذا ما يتجاهله بعض السياسيين الّذي يتعاملون مع السياسة كتعاملهم مع لعبة الورق «مشكي وعاود» بنفس الأوراق على نفس الرقعة وفي كل الأوقات.

لقد بيّنت عمليات التصويت على بعض اللّوائح أن تغيير موازين القوى ممكن وهو ما يعني أن التفكير في 2024 أمر محبّذ ولكن ما العمل من الآن إلى ذلك التاريخ؟
هل تمت قراءة المستقبل القريب للبلاد، وهل تمّ التفكير في سياسة هذه المرحلة ومخرجاتها وكيفية الفعل فيها؟

يسود الإعتقاد أن السياسين يبنون على البقايا و يستقربون الأهداف والنتائج دون العمل أو التفكير في كيفية بلوغها في ظل واقع متغير وعالم في حركية وتقلبات بعضها معلوم و بعضها غير معلوم .
لقد عرفت تونس انتخابات 2011 و2014 و2019 والانتخابات البلدية ولكننا لم نتابع أي قراءة تقييمية علمية لكل النتائج ولا قراءة لأسباب النكسات الّتي عرفتها قوى سياسية كانت فاعلة ومؤثرة ولو بأفكارها.
نفس الأخطاء تتكرّر: عودة وعي فجئية. لقاءات مغلقة بين أشخاص منغلقين على أنفسهم. انتعاشة وهمية .ثم انتخابات وخيبات جديدة . ويبقى أمل إنقاذ البلاد قائما.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115