قابل للاستعمال إذا تعلق الامر بحركة النهضة ، التي اخفى الاستهداف الخارجي والبحث عن تموقع في الحكم الصراعات الداخلية صلبها ، ليفاجأ الجيمع امس بالإعلان عن نهاية زمن الشيخ وان ظلّ زعيما للحركة.
منذ سنة ونيف تعيش حركة النهضة على وقع صراعات مخفية ومعلنه بشأن المؤتمر القادم ، تموقعات وخلافات بين تيارات متغيرة وفق السياق والقضية ، صراع ظل مكتوما او يعلن عنه باحتشام الى ان جاءت استقالة عبد الحميد الجلاصي وما مثلته من رجة ومن حدث مفصلي في الحركة ، لا لثقل الرجل وأهميته بل لأنها أعلنت عن نهاية «نهضة التأسيس « اي نهاية الجماعة وثوابتها.
استقالة ما كانت لتتطور اكثر لكن السياق السياسي -محاصرة النهضة في البرلمان - والمناخ الصحي في تونس - انتشار العدوى بالكورونا - حالت دون ان تهيئ الاستقالة لما يتبعها ، ولكن ظل لهيبها تحت الرماد ، وظلت الصراعات مكتومة لا تعلن وإذا أعلنت فإنها تتجنب الخوض في شخص رئيسها او المس منه.
لكن يوم أمس نشرت اذاعة «موزاييك» رسالة لـ100 قيادي بالحركة ، من بينهم اسماء وازنة وثقيلة ، يتوجهون فيها بطلب لرئيس حركتهم بالخروج والإعلان الصريح عن عدم نيته الترشح للرئاسة في المؤتمر القادم وعدم تنقيح النظام الداخلي لتغيير الفصل 31 من القانون الاساسي الذي ينص على مبدإ العهدتين في رئاسة الحركة.
رسالة حملت عنوان «مستقبل النهضة بين مخاطر التمديد وفرص التداول» لا تنبع اهميتها فقط من توجيه الطلب بل لما تضمنته من نقاط وحجج تفسيرية للطلب. حجج تضمنت عناصر عدة ابرزها النقطة التي تشير الى ان التداول على منصب رئيس الحركة قبل 2011 تم اضطراريا واليوم عليه ان يكون خيارا وحدثا مفصليا في تاريخ النهضة.
هذه النقطة رافقتها نقاط اخرى وحجج عن أهمية التداول في منصب رئيس الحركة ضمن محور عنون بـ«التداول قيمة وآلية» تتعلق بمنافع التداول وأهميته وإستراتيجيته ، اما المحور الثاني الذي حمل عنوان مخاطر التمديد وتغيير القانون فقد حمل تحذيرات معلنة ومبطنة من ان استمرار راشد الغنوشي في منصب رئيس الحركة سيؤدي الى الانقسام والتشرذم ويضعف الحركة ويبرر لمزيد من الانسحابات.
تحذير رافقه نسف للحجج التي يقدمها انصار التمديد لراشد الغنوشي من قبيل اهمية الاستمرار في السياق الحالي وغياب الخيار الآخر و«المؤتمر سيد نفسه» وغيرها من الحجج «الواهية» وفق اعتبارات. ووصف القادة الـ100، الذين عبروا عن تيارات عدة صلب النهضة متنافرة ومتصارعة في ملفات ومحاور اخرى لكنها اتحدت في رفض التمديد، خاصة وان لجنة الاعداد المضموني للمؤتمر طرحت مسألة تعديل الفصل 31.
نقاش سبق تلميح رئيس الحركة بشأن البقاء في منصبه «إننا نحترم القانون ما دام قانونا « أي أنه ملتزم بعدم الترشح إذا بقي القانون ولكن بزاوله يزول الالتزام به، اي ان رئيس الحركة ومنذ اشهر المح الى انه قد يترشح لعهدة ثالثة دون ان يعلن ذلك صراحة، وهو ما دفع بـالـ100 لمطالبته بالإعلان الصريح في رسالتهم مقابل بقاء موقعه الاعتباري في الحركة وفي المشهد الوطني، وإذا رفض فلن يبقى له هذا.
رسالة اكدت من جديد ان حركة النهضة كجماعة اسلامية انتهت منذ زمن ، منذ ان اسقط العمل بـ« وحدة الصف والجماعة » قبل ان تفصل السياسي عن الدعوى ، وان في مستوى النصوص، الى ان دخلت ازمة التفكك الهيكلي والتآكل من داخلها في ظل الصراع بين خيارات وتوجهات لم يعد من الممكن احتواؤها بالشكل السابق.
واقع كشفته الرسالة التي تتقاطع بشكل أو بآخر مع نص رسالة استقالة عبد الحميد الجلاصي إذا تعلق الامر بمركزة القرار وبهوية الحركة وتأخر تطورها لحزب مدني ، وبالرصيد الرصيد الاخلاقي والقيمي وأركان التأسيس التي تآكلت نتيجة عدم الانتقال من الجماعة الى الحزب. وهو ما يعنى ان الضرر طال بنية النهضة و عقيدتها ، اي زمن التفكك البنيوي للنهضة يشهد تسارعا في نسقه.
فالرسالة جاءت في سياق هذا التفكك البنيوي الذي نجم عن الخلافات الداخلية في الحركة ، وهو اليوم ينحصر شيئا فشيئا في خلاف بشأن مصير رئيسها ، مما يعنى ان كل ثوابت الماضي في طور السقوط تباعا ، ثوابت اهمها وحدة الجماعة والولاء لها ولـ«المرشد»/ الشيخ.
ثوابت نشأ عليها الجيل الثاني والثالث في النهضة بالأساس، والذين لقنوا ان وحدة التنظيم والالتزام بالجماعة هما جوهر عقيدة النهضة ، لكن هذا الجيل تمرد وتطور تمرده تدريجيا من خلافات في التقدير والتصور لا تبلغ مرحلة القدح او المس - سواء المعلن او المبطن – من «شيخها» الى جعل الاخير عنوانا لمعركتهم ، فهم اليوم وبشكل صريح يعلنون ان استمراره يمثل تهديدا لنهضة التأسيس.
لكن هذا التطور والاستهداف الواضح والمباشر لـ «الشيخ» لم يسقط من السماء بل هو نتيجة لتأكل الصورة الاعتبارية والرمزية للشيخ الذي جرد منذ المؤتمر التاسع من هالته وبات مجرد «خصم» في حركة نشأت كجماعة عقائدية ببنى عقائدية ، الولاء والبراء.
ويبدو ان المؤتمر الـ11 لحركة النهضة سيستمر في كشف مفاجآته تباعا حتى قبل انعقاد اشغاله، فعلى خلفية صراعات التموقع فيه هدمت صورة «الجماعة» وما تسوق له من «قداسة» وطهورية، واليوم هدمت صرح «الشيخ/المرشد/ المؤسس» هدمت حينما فقد هو والحركة نقاء النشأة وسقطا في فخ السلطة.