حكومة جديدة من خارج اقتراح الأحزاب يدعو ليلة التصويت على الثقة الأحزاب التي شكلت الائتلاف الحكومي لالياس الفخفاح ويطالبها بإسقاط مرشحه هشام المشيشي والإبقاء على الحكومة الحالية مع تغيير رئيسها وفق قراءة بهلوانية للفصل 100 من الدستور ..
رئيس الجمهورية الذي رفض إلى حدّ الآن الحوار مع الأحزاب حتى عندما يلزمه الدستور بالتشاور معها يجري حوار اللحظة الأخيرة لإسقاط من اختاره هو بنفسه دون سواه .
لماذا كل هذا ؟ ربّما لأن هشام المشيشي الذي قام بعدة تنازلات للرئاسة في اختيار فريقه الحكومي ليس مستعدا للعب دور الكمبارس ومجرد منسق العمل الحكومي وأنه ،غدا، قد يقيل وزراء هم من رجالات قيس سعيد، لذا اختار صاحب قرطاج سحب البساط من المشيشي والإبقاء على حكومة الفخفاخ دون الفخفاخ وظن بذلك أنه يرضي نفسه ويرضي أيضا الأحزاب البرلمانية التي تخشى من انتخابات سابقة لأوانها .
ومن المضحكات المبكيات أن من أوكل إليه الدستور السهر على احترامه يقترح على الأحزاب لي عنق الفصل 100 الذي يتحدث عن «الشغور النهائي لمنصب رئيس الحكومة، لأي سبب عدا حالتي الاستقالة وسحب الثقة» لاستعماله في غير سياقه بالمرة وهو انتخاب مجلس الوزراء عضوا منه للقيام بمهام رئيس الحكومة والحال أن الفصل يقول بوضوح أنه في هذه الحالة يكلف رئيس الجمهورية مرشح الحزب الفائز بتشكيل حكومة جديدة وأن تعويض رئيس الحكومة الذي استحالت مباشرته يعطينا الصورة الدستورية الوحيدة لحكومة تصريف أعمال .
ثم ماذا نفعل باستقالة الفخفاخ ؟ نواريها التراب ؟ أو نضيف إليها الاستحالة الكلية ؟ ! هذا هو العبث بالدستور وبالدولة ، فنحن لسنا أمام سياسة من صنف جديد ،نحن أمام سياسة لا ترى سوى فرض رأي واحد على الجميع بتعلة منع تغول الأحزاب .. فنخرج من قطرة «تغول الأحزاب» لنقع تحت «ميزاب» تغول فرد واحد .
ولكن ولأن تونس في مرحلة انتقال ديمقراطي فلا يمكن لأي فرد ولو كان رئيس جمهورية منتخب بأغلبية عريضة أن يفعل ما يريد ، فهذه المبادرة المذهلة لقيس سعيد سوف تعود عليه على الأرجح وستدفع عدة كتل إلى منح ثقتها لحكومة المشيشي لا إيمانا بها ولكن قطعا لمشروع قيس سعيد الهلامي.وللأسف سوف نرى في جلسة اليوم لمنح الثقة انتقادات شديدة وحادة لرئيس الدولة وسوف تتأكد القطيعة بين أهم مؤسسات السلطة في البلاد وذلك في كلتا الحالتين: مرت حكومة المشيشي ام لم تمرّ ..
أما لو نالت الحكومة الجديدة الثقة رغم رغبة الرئيس فسيصبح الصراع على راسي الدولة تراجيديا وسيسعى قيس سعيد لفك عزلته الجديدة بكل الطرق ويتعفن الوضع أكثر فأكثر .
العقل يقول بأن يقنع كل طرف بلعب الدور المخول له بحكم الدستور فقط لا غير وان من اسند له تأويل الدستور يكون حكما نزيها لا طرفا غير نزيه وان يعمل الجميع لإنقاذ البلاد..
هذا ما يقوله العقل ..ولكن السمة الطاغية على هذه المرحلة الثانية من الانتقال الديمقراطي التي ابتدأت مع انتخابات 2019 هي غياب العقل وانتصار الشعبويات والفئويات من كل نوع وصنف .