وممارسة وتقاليد تقوم على مؤسسات قوية ومتوازنة بين التنفيذي ومختلف أصناف الرقابي ..والمؤسسة تعني أننا تجاوزنا النزوات والرغبات والميولات الشخصية وأن الفرد داخل مؤسسة ما ينصاع لمنطقها ويخدم أهدافها ولا يسعى لتطويعها ولاستعمالها لغير ما جعلت له ..
إن الإقالة الانتقامية الثأرية لرئيس هيئة مكافحة الفساد العميد شوقي طبيب التي أقدم عليها رئيس الحكومة المستقيل الياس الفخفاخ تثبت فقدان هذه الثقافة الديمقراطية لدى قطاعات واسعة من النخبة السياسية ولدى من جعل من احترام القانون ومحاربة الفساد شعاره الأساسي إن لم نقل شعاره الوحيد ..
لقد أوضح أساتذة القانون بما فيه الكفاية افتقار قرار الإقالة الثأري لكل سند قانوني وذلك لان فلسفة الهيئات المستقلة – حتى وان كانت وقتية أو غير مذكورة في الدستور– تتناقض جذريا مع منطق الإدارة التابعة للسلطة المركزية لأننا أمام هيئات تعديلية للسلطة التنفيذية،وهكذا تكون مراقبتها فقط من السلطة التشريعية ومن السلطة القضائية بواسطة محكمة المحاسبات .
لقد تعاملت حكومة الفخفاخ المستقيلة مع هيئة مكافحة الفساد وكأنها مؤسسة عمومية خاضعة للسلطة التنفيذية وفي هذا إنكار كلي وجذري لدور ولمفهوم الهيئات المستقلة ..
أن يقدم الياس الفخفاخ على حركة انتقامية ضد من اعتبره السبب الرئيسي لإسقاط حكومته فذلك شأن يخصه وإن كان يعكس مدى التصادم عنده بين القول والفعل وذلك مهما كانت هتافات بعض المناصرين والمناشدين، ولكن أن ينخرط في هذه العملية محمد عبو الوزير والأمين العام للتيار الديمقراطي والذي جعل من شعار «الدولة القوية والعادلة» شعار حملته الانتخابية فذلك ما يدفع إلى الدهشة حقا ويبين عمق الأزمة الشاملة التي تمر بها الطبقة السياسية في عمومها اليوم ..
عندما كان التيار الديمقراطي في المعارضة كان شرسا ضد كل مظهر من مظاهر الفساد أو تضارب المصالح لدى خصومه وكان أيضا من المدافعين بكل قوة عن الهيئات المستقلة كما حصل خاصة في الخلاف بين هيئة الحقيقة والكرامة والأغلبية النيابية حول مدة ولاية الهيئة وحول من له حق التمديد فيها بسنة فكان رأي التيار الديمقراطي انه لا دخل للبرلمان في هذا وان مجلس الهيئة هو سيد قراره ..
أما اليوم فلا نرى انزعاجا خاصا لا من الاستعمال غير القانوني لسيارة إدارية وما شاب ذلك من تزوير محضر الحادث ولا أيضا من تضارب المصالح الصارخ عند رئيس الحكومة ثم الإيذان اليوم بمهمة رقابية إدارية تلبية لرغبة انتقامية لعلها مزدوجة بين رئيس الحكومة المستقيل وأمين عام التيار الديمقراطي الذي يجد نفسه خارج الحكم بنفس المناسبة..
لا يعنينا هنا الدفاع عن شخص العميد شوقي طبيب فهو بداية لا يحتاج إلى دفاع أحد وسيذكر له التاريخ دوره الأساسي في جعل مكافحة الفساد أحد أهم محاور الاهتمام العام وبضغطه المستمر على كل أصحاب السلطة لتصبح محاربة الفساد إستراتيجية دولة لا مجرد شعار..
ولو ثبت ضد شوقي طبيب أو أي شخص آخر مهما علا نجمه وذاع صيته فساد أو انحراف بالسلطة فعليه أن يتحمل مسؤوليته كاملة..
ولكننا لسنا بالمرة في هذه الوضعية مهما استعمل بعضهم زخرف القول ،إننا أمام عملية انتقامية فجة تعري عمق الثقافة الاستبدادية عند أصحابها ورفضهم لوجود رقابة جدية مستقلة ونظرتهم المانوية للسياسة والفساد.. فالفساد هو حتما من شيم خصومي وخصومي فقط..
نقولها بكل حزن : لقد سقطت ورقة التوت ولم نجد ما نخسف به لمواراة سوءاتنا ..