بعد أسبوعين من المشاورات: هشام المشيشي يعلن عن تشكيل حكومة كفاءات ..

• المرحلة الثانية من الانتقال الديمقراطي أم انتخابات سابقة لأوانها في الأفق ..

الإعلان المقتضب لهشام المشيشي المكلف بتشكيل الحكومة يوم أمس كان واضحا لا لبس فيه : الحكومة القادمة ستكون حكومة كفاءات مستقلة نظرا للصراعات الكبيرة بين مختلف الأحزاب ولعجزها عن التوافقات الدنيا الضرورية .. ومع ذلك يعلن المشيشي عن رغبته في العمل مع البرلمان كمؤسسة لا كجملة من الأحزاب وانه يطلب دعمه لإنجاز برنامج إنقاذ اقتصادي واجتماعي ..

الكرة الآن بوضوح في ملعب الأحزاب الوازنة برلمانيا فإما القبول الجدي أو التكتيكي بحكومة مستقلة أو رفضها منذ البداية والذهاب – نظريا – إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها ؟.

لاشك أن بعض الأحزاب المساندة بوضوح للرئيس قيس سعيد ستعلن منذ الآن عن دعمها لحكومة المشيشبي أما الأحزاب الأخرى المتحالفة مع النهضة والمطالبة في ما سبق بسحب الثقة من حكومة الفخفاخ ستنتظر التشكيلة النهائية للحكومة المقترحة ولكن قبل ذلك ستسعى لطرح الفكرة الأساسية : فكرة حكومة مستقلة تتضمن نوعا من إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية وتضع بين قوسين إرادة الشعب وتسهم في تهميش دور الأحزاب في تسيير الحياة العامة .

والسؤال الأساسي اليوم هو هل أن الأحزاب الوازنة ستقبل بهذه الوضعية بصفة جدية أم أنها ستناور أي ستمنح الثقة للحكومة القادمة مع العمل على إضعافها وربما الاستعداد خفية لسحب الثقة منها حتى تعود المبادرة للمجلس النيابي بعد ان سلبت منه منذ إسقاط حكومة الحبيب الجملي.

الأكيد أن قرار هشام المشيشي يطرح سؤالا كبيرا عن الانتقال الديمقراطي في هذه المرحلة بالذات : هل انتهى دور الأحزاب أم أنها مطالبة بتأهيل نفسها لفترة انتقالية ثانية قصد استعادة دورها الطبيعي : قيادة البلاد ؟!

هذا هو السؤال الجدي الوحيد المطروح اليوم فلو قلنا باستبعاد نهائي للأحزاب نكون قد ضربنا في مقتل الديمقراطية والانتقال الديمقراطي ونكون قد دخلنا في أحسن الأحوال في نوع من الحكم المركزي الذي يمثله رئيس الدولة مع دور ثانوي للغاية للبرلمان وهذا يستوجب على الأقل مراجعة جذرية للنظام السياسي وهذا ما يستحيل لو رمنا البقاء في دائرة الشرعية الدستورية .

ولكن قد يكون قرار هشام المشيشي فرصة جدية لترميم المشهد السياسي بصفة عامة : الأحزاب بحكم صراعاتها المغالية وانقطاعها عن مشاغل الناس وفقدانها لثقة الجزء الأكبر من الرأي العام عاجزة اليوم عن الحكم وهي تحتاج إلى فترة تأهيل قد تمتد إلى نهاية هذه العهدة النيابية وان تتفرغ لمهامها التشريعية والرقابية في البرلمان والتأطيرية للرأي العام من خلال الانتخابات الجهوية والبلدية القادمة حتى تكون قادرة من جديد في المواعيد الوطنية القادمة على استرجاع المبادرة السياسية ..

لقد دعونا في هذه الأعمدة ومنذ أكثر من سنة إلى إرساء مرحلة ثانية للانتقال الديمقراطي يكون أحد معالمها ابتعاد وقتي للأحزاب عن السلطة التنفيذية ..

هل ستقبل النهضة وحلفاؤها وبقية الأحزاب بهذا المشروع الجديد شرط توضيحه وبيانه وحتى كتابته في وثيقة سياسية جامعة ، أم أن أحزابا وازنة (النهضة وحلفاؤها خصوصا) ستسعى إلى قلب الطاولة باي طريقة من الطرق إما بوجه مكشوف عبر عدم منح الثقة لحكومة المشيشي أو بالمناورات والمباغتة كمنح الثقة ثم الإسراع بسحبها في أول فرصة بما سيعمق الفكرة القائلة بأن الأحزاب لا تعرف ممارسة السياسة إلا من بوابة المناورات والدسائس.

اليوم هنالك حلان سياسيان جديان : منح الثقة لحكومة المشيشي وفق برنامج واضح المعالم ودعمها بنزاهة أوعدم منحها الثقة والذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها ..

الإيجابي جدا في الكلمة القصيرة لهشام المشيشي يوم أمس هو اختياره للوضوح الكامل ، فعلى الأحزاب البرلمانية أن تكون في المستوى الأخلاقي لهذا الوضوح بالقبول الجدي أو الرفض الصريح.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115