أو تدويناتهم أو الحوارات الصحفية التي اجريت مع بعضهم ننتبه إلى أنّ أهمّ عقبة في طريق تنفيذ البرامج الإصلاحية قد تمثّلت، والعهدة على الوزراء، في تدخّل الأحزاب «المهيمنة» التي أمرت بـ«غضّ الطرف» عن التجاوزات، وتعطيل قرارات محاسبة بعض الموظفين فضلا عن تدخّلها المباشر في التعيينات وتوزيع المشاريع والصفقات وغيرها. ولئن مالت الوزيرات في الغالب، إلى الإفصاح عمّا حدث في الكواليس، ورواية قصص تدخّل بعض النائبات الضليعات في إعادة إنتاج الهيمنة الذكورية وتهديداتهنّ فإنّ شهاداتهن لا تكاد تختلف عن آراء زملائهن. ولكن ما جدوى كشف المستور بعد الخروج من مواقع يفترض أنّها كانت لصنع القرار؟ وما معنى أن يرضخ مسؤول في الحكومة للقياديين في الأحزاب والنوّاب في البرلمان؟ ولم عسرت عملية تقييم أداء الفاعلين في الحكومات السابقة؟
تثبت طريقة تسيير الحكومة التي تأسست على قاعدة المحاصصة الحزبية وفق فهم محدود للديمقراطية يقصرها على نتائج الصندوق ومنطق الأغلبية الفائزة، أنّه لا مجال للحديث عن استقلالية الوزراء وتبيّن مدى قدرتهم على اتخاذ القرارات الملائمة ومن ثمّة تحمّلهم تبعات أفعالهم أمام رئيس الحكومة والبرلمان والشعب. فمادام المسؤول يقدّم الولاء ويثبت طاعته للأوامر الصادرة عن الأحزاب المتمكنة فإنّه سيضمن بقاءه تحت عباءة الحزب الذي سيحميه إذا أساء التدبير.
ولا نبالغ إذا اعتبرنا أنّ هذا التصوّر في تشكيل الحكومة وطريقة تدبير شؤون الحكم قد وفّر مناخا ملائما لانتشار الفساد والإفلات من العقاب ذلك أنّ المحاصصة لا تخدم إلاّ أصحابها لأنّها «تمكّنهم» على حساب المصلحة الوطنية ومن هنا لم نعثر على وزير أساء التدبير واستقال. وبالإضافة إلى ما سبق تساهم المحاصصة في ترسيخ مبدإ «الغنيمة» وثقافة الاتكال والتواكل وذلك من خلال بحث أغلبهم عن وليّ النعمة الذي يغدق على أصحابه وأقاربه النعم، وعن الأب الحامي الذي يحول دون معاقبة الأبناء متى أخطأوا. وانطلاقا من هذا التصوّر الذي يؤكّد في نظرنا موت السياسة في بلادنا لم يعد بإمكان التونسيين بناء الثقة في حكومة قامت على أساس المحاصصة والتي تعني في نظر أغلبهم، الأنانية ومراعاة المصلحة الخاصة والفساد وهشاشة الدولة....
وما دمنا نعلم أنّ الأحزاب تمارس ضغطها المعهود وتناور وتهدّد وتفاوض من أجل الحفاظ على نفس المنوال في تأسيس الحكومات زاعمة أنّها تطالب باحترام الشرعيّة الانتخابية، وتقدير موازين القوى ومواقع الأحزاب المشكلّة للأغلبية فإنّنا لا نملك إلاّ أن نعبّر عن بعض أحلامنا وآمالنا...
نتوق إلى حكومة تتأسّس على قاعدة الكفاءة والنزاهة والاستقلالية وفرض الإرادة السياسية المسؤولة والجرأة على اتّخاذ القرارات الأساسية، ونأمل أن يتقلّص عدد جحافل الوزراء وكتّاب الدولة والمثل يقول: «الكثرة وقلّة البركة»، ونحلم بحذف خطّة المستشارين والمستشارت إذ آن الأوان لإيقاف نزيف هدر الأموال العمومية وإرساء بديل يقوم على التطوّع لتقديم الاستشارة متى طلبت ،لاسيما إذا كانت معايير انتقاء هؤلاء مجهولة ومسالك «تكليفهم» غير شفافة ولا نزيهة ، ونرغب في أداء سياسيّ مختلف عن المعهود وخطاب سياسي غير مألوف ونحلم بفيلق جديد من الوزراء والوزراء القادرين على قراءة الواقع المتأزّم وفكّ شيفرات الحركات الاحتجاجية المتشظيّة وإعادة ترتيب الأولويات وابتكار الحلول العاجلة للحقرة والحرقة والعنف، والتصدّي للظواهر المتفشية كمقت العمل والامتناع عن إسداء أبسط الخدمات والتلاعب بالقانون، والتهريب...
لا نملك إلاّ أن نحلم... وبعد الكارثة التي حلّت ببيروت لم يعد بإمكاننا إلاّ أن ندعو الله بأن يحفظ بلادنا ويحمي الشعوب التي فقدت الأمل في قياداتها.