المعلن منذ مدة : تقييم المائة يوم الأولى من عمر هذه الحكومة وبرنامجها لإنعاش الاقتصاد بعد جائحة الكورونا ..ولكن في الأثناء برزت قضية شبهة تضارب المصالح وطغت على الأذهان وكان الياس الفخفاخ منتظرا في هذه النقطة بالذات ..
وفعلا خصص رئيس الحكومة ربع تدخله الذي دام ساعة ونصف الساعة (رقم قياسي جديد) للرد على كل منتقديه معتمدا على نبرة هجومية لخصتها عبارة لم تكن موفقة عندما قال متوجها إلى من يعتبرهم من سيئي النية وكأنهم يريدون تلفيق ملف فساد «يبطا شوية»، وحصل ما كنّا نخشى منه أي تحول الجزء الهام من هذه الجلسة الحوارية إلى ما يشبه تصفية الحسابات خاصة بين أطراف الحكم وكذلك بين رئيس الحكومة ومعارضته.
لقد أفضنا في موضوع شبهة تضارب المصالح وكنّا نتمنى أن يعطينا الياس الفخفاخ كل المعلومات حول تواريخ هذه القضية من فتح باب المشاركة في هذه الصفقة العمومية إلى إمضاء العقد بين مجمع الشركات والتي يمتلك في احدها الياس الفخفاخ ثلثي الأسهم بما يجعله حاصلا على حوالي خمس أسهم المجمع .
والإشكال ،كل الإشكال أن بداية المسار، أي تقديم هذا العرض ، كانت في السنة الفارطة ولكن تقرير اللجنة الفنية حصل يوم 14 فيفري 2020 وحينها كان الياس الفخفاخ مكلفا بتشكيل الحكومة أما إمضاء العقد بعد أن أقرته الهيئة العليا للصفقات العمومية فكان في افريل 2020.
كان بإمكان الياس الفخفاخ أن يعطينا كل هذه المعطيات من البداية وأن يقول لنا بأنه كان حسن النية وأن مواجهته بمعيّة فريقه الحكومي لجائحة الكورونا قد جعلته ، ربّما، لا ينتبه كثيرا لتطورات وضعية هذه الصفقة التي لم تعد تشغل حيزا يذكر في اهتماماته وانه قد يكون أساء التقدير وانه بادر وبسرعة إلى التسوية القانونية وفق ارفع درجات التوقي من الشبهة ..
لقد كان بالإمكان المصارحة التامة والتي لا تترك أية منطقة رمادية وان يؤكد انه لا وجود لذرة فساد بل فقط سوء تقدير لتضارب المصالح هذا وتأثيره القانوني وخاصة الأخلاقي والسياسي على شخصه وعلى الحكومة التي يرأسها ..
لسنا ندري هل بإمكان رئيس الحكومة أن يخرج سالما من هذه العاصفة وهل أن مختلف لجان التحقيق ستكشف معطيات جديدة أم لا سواء أكان ذلك لصالح رئيس الحكومة أو ضده كما لا ندري ما الذي يكون عليه مستقبل الشكاية التي قدمها النائب ياسين العياري إلى القطب القضائي والمالي..
الإشكال في نظرنا يتجاوز بكثير المسألة القانونية والقضائية على أهميتها القصوى ، الإشكال أخلاقي وسياسي بالأساس والحكم فيه هو ما سيستقر في ضمائر الناس ، أي هل سيعتبرون ما حصل مجرد سوء تقدير واجتهاد خاطئ أم أن الأمر يتجاوز ذلك ..
ولكن الإشكال لا يقف عند هذا الحدّ بل نجد أيضا أن جزءا غير يسير من الذين يريدون الياس الفخفاخ اليوم لا يفعلون ذلك دفاعا على شفافية التسيير العمومي بل لأنهم يريدون إسقاط الحكومة او اجبار رئيسها للانقياد لمطالبهم دون قيد أو شرط وقد وجدوا في هذه القضية فرصة سانحة للانقضاض على فريسة تبدو جريحة وفي وضعية حرجة للغاية اليوم.
ربّ ضارة نافعة، لو خلصت النوايا ، لنتناقش ببرود وصرامة حول ما يباح وما يمنع بالنسبة لكل من يتصدى للشأن العام وان ندقق الشروط دون إفراط أو تفريط وان نعطي للهياكل الرقابية القدرة على المتابعة السريعة والناجعة لكل منابع تضارب المصالح أو الإثراء غير المشروع لكل المسؤولين في مختلف درجات المسؤولية التنفيذية او التشريعية أو القضائية.
لقد طالب بعض النواب يوم أمس باستقالة رئيس الحكومة وأنهم سيشرعون في إعداد لائحة سحب ثقة ولكن يبدو أن منصب الياس الفخفاخ مهدد بصفة جدية من قبل البرلمان وذلك لسبب أساسي أن حركة النهضة لا تريد اليوم الدخول في مغامرة سياسية غير محسوبية العواقب وإمكانيات فشلها فيها اكبر بكثير من قدرتها على ربحها.
ثم أكثر ما تخشاه حركة النهضة هو استقالة الياس الفخفاخ – لو دفع إلى ذلك – ورجوع المبادرة عند رئيس الجمهورية وإعادة تجربة تشكيل حكومة جديدة وما قد يصاحبها من حركات احتجاجية ومن تحمل النهضة للجزء الأكبر من تبعات الأزمة السياسية القادمة..ولكن يخطئ من يعتقد بان ملف شبهة تضارب المصالح قد أغلق نهائيا ولا نعلم هل ستكون
الصائفة القادمة على عجل مناسبة للتجاوز السياسي أم أن بعض المعلومات الإضافية والتي تدعي بعض الأطراف امتلاكها ستزيد من تعفين الأجواء وتجعل من مواصلة رئيس الحكومة لمهامه أمرا شبه مستحيل ..الضحية الاكبر يوم أمس كانت القضايا الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي تعيشها البلاد والتي قدم لنا بشأنها رئيس الحكومة تشخيصا مفزعا:
انكماش بما لا يقل عن %6 وبطالة إضافية بـ 130.000 شخص ونقص بخمسة مليار دينار في المداخيل الجبائية للدولة ، وكل هذا بالإضافة إلى التردي المستمر لوضعية المؤسسات العمومية ..
تونس كما قال رئيس الحكومة تحتاج أولا وقبل كل شيء للإنقاذ قبل التفكير في الإنعاش، ولكل هذا يحتاج ولاشك إلى رؤية شاملة للإصلاح وكذلك إلى قيادة قادرة عليه ..
يوم أمس طرحت من جديد مسألة «مشروعية» القيادة .. والجواب لم يأت بعد ..