البارحة تركيا وقطر واليوم الإمارات ومصر: تونس ولعبة المحاور الإقليمية

الذي يشاهد اليوم النشرات الإخبارية للعديد من التلفزات المصرية والإماراتية (موطنا أو تمويلا) يلاحظ تركيزا كبيرا على ما (لا)

يحصل في تونس اليوم وكأن بلادنا على حافة ثورة شعبية عارمة ضدّ حكم «الإخوان» ومطالبة مليونية بحلّ البرلمان وكأن ساحتنا العامة ممتلئة بمن ينادون بصوت واحد « يسقط يسقط حكم المرشد» في استعادة ذهنية للمظاهرات الشعبية الصاخبة في مصر في جويلية 2013..
وقد تخصص بعض «المنشطين» في دعوة التونسيين إلى الثورة على حكم «الإخوان» وتحريضهم على استعادة بلادهم بعد أن سرقها منهم «الإخوان» .

لا ينبغي أن يكون المرء خبيرا في الاستراتيجيات الإعلامية ليدرك بأننا لسنا إزاء اختيارات تحريرية لبعض القنوات بل أمام «خطة» الهدف منها خلق مناخ جديد في تونس بالاعتماد على بعض الأحداث وتضخيمها وجعلها قلب الرحى لحياتنا الوطنية، وكأن هذه القنوات والدول التي تدعمها تريد ان تلعب نفس الدور الذي لعبته الجزيرة ودولة قطر في ثورات الربيع العربي أو بالأحرى ما توهمت هذه القناة انه قادر على فعله على اثر احتجاج بعض الشباب المصري على حكم الرئيس السيسي .

يبدو أن المحاور الإقليمية وخاصة منها المحورين اللذين اشرنا إليهما يريدان أن يطوعا الواقع التونسي لمصالحهما الإستراتيجية وهما يجدان على الأرض من يسهم في هذا إما تبعية أو اعتقادا بأنه بالإمكان الانتصار على الخصم المحلي بالاعتماد على حليف إقليمي قوي بإمكانه الإسناد السياسي والإعلامي لتحركاته ..

لا نعتقد أن هذه المحاور قادرة على تغيير إرادة التونسيين أو التأثير الحاسم على قراراتنا الوطنية ولكن الخطير فيها هو قابلية بعض الأطراف داخل الساحة الوطنية بلعب هذه الأدوار وبالانخراط في هذه الاستراتيجيات الإقليمية كما رأينا ذلك كلما تعلق الأمر بالسياسات التوسعية التركية إقليميا إذ تنبري النهضة والأطراف القريبة منها إلى الدفاع المباشر والعلني عن المصالح التركية وعن ضرورة انخراط بلادنا فيها باعتبارها صديقة للثورة وضامنة لها واليوم هذا «التقارب» المستراب بين الترسانة الإعلامية المصرية الإماراتية وبين دعاة حلّ البرلمان في بلادنا..ولا يهم عدد هؤلاء أو أولئك ولكن لن نبني مستقبلا لبلادنا لو انخرط بعض مواطنينا في هذه الأجندات الإقليمية وذلك أيا كانت الغايات والمبررات.

عندما نقول هذا الكلام نقول أيضا ان ما اقدم عليه بعضهم من الاعتداء على مراسلين لبعض هذه القنوات هو مرفوض رفضا مطلقا ولا يليق بتونس الثورة والديمقراطية فنحن وإن نطالب الجميع باحترام سيادتنا وعدم التدخل في شؤوننا فهذا يتوجه للدول فقط لا غير ولا يشمل وسائل الإعلام مهما كانت انتقاداتنا على انحيازها أو على ما نعتقد انه غياب للنزاهة، ولكن احترام حرية الإعلام، كل الإعلام، مقدم على كل هذه الاحترازات والانتقادات.

لا نعتقد أن الشروط الموضوعية متوفرة اليوم في البلاد لبناء حد أدنى وطني يمنع كل أصناف هذه الاختراقات ولكن لا يمكن أن نتفق حول فكرة واحدة على الأقل وهي أن كل تغيير سياسي ينبغي أن يتأسس على انتخابات حرة ونزيهة ثم، قدر الإمكان، وأن الصراعات السياسية الحادة لا تحل بإقصاء أي طرف من الساعة السياسية بل تدار داخل النقاش الوطني العام ثم تحل- مؤقتا دوما – في صناديق الاقتراع ..

ما يزعجنا في الدعوة إلى حل البرلمان ليس انتقاد الأداء السلبي والضعيف لهذه المؤسسة المركزية ولرئيسها أيضا بل لوهمها أو توهمها بأنه يمكن أن نضع نتائج الصندوق بين قوسين.
نحن لا نرى مصلحة وطنية في العداوة مع أية دولة بل نرى فيها جميعا شركاء تجمعنا بها وشائج عدّة ونحن نطالبها فقط بالتعامل مع الدولة التونسية بصفة ندية لا محاولة اختراق ساحتنا الداخلية فهذا لن يجلب لها أية منفعة لا عاجلا ولا آجلا.

عندما يدرك كل الفاعلين السياسيين التونسيين مهما كان حجمهم أن تحصين البيت من خارجه هو مدخل لإصلاحه من داخله نكون قد خطونا أشواطا هائلة لانطلاقة وطنية فعلية تتزاوج فيها الديمقراطية الفعلية مع نمو عادل وسيادة وطنية منفتحة .. في انتظار ذلك ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115