للشهر الثالث على التوالي: تراجع حـــاد لمبادلاتنـا التجارية، ينبئ بأزمة اقتصادية واجتماعية خانقة

للشهر الثالث على التوالي تراجعت مبادلاتنا التجارية تصديرا وتوريدا بشكل غير مسبوق فبعد انخفاض بحوالي %30 في شهر مارس

ودون %50 بقليل في شهر افريل سجلنا في شهر ماي تراجع التصدير بـ%37،1 والتوريد بـ%34،5..

لاشك أن لهذه التراجعات الحادة نتيجة «ايجابية» يتيمة وهي الانخفاض النسبي للعجز التجاري أي ضغطا أقل بالنسبة للميزان التجاري ولميزان الدفوعات،ولكن «الايجابيات» تقف عند هذا الحدّ فنحن أمام شلل كبير أصاب جلّ قطاعات الصناعية وذلك للشهر الثالث على التوالي وهو ما أثر على جميعها وقد يجعلها في الأسابيع والأشهر القادمة تقدم على عمليات إعادة هيكلة محورها الأساسي تسريح جزء من العملة خاصة في قطاع الصناعات المعملية والذي يوفر الآن أكثر من ستمائة ألف موطن شغل.

ينبغي أن نعلم أن جلّ الصناعات التحويلية التونسية موجهة بصفة هامة إلى الأسواق العالمية وأن لدينا في تونس قطاعان أساسيان في الصناعات المعملية وهما الصناعات الكهربائية والميكانيكية من جهة والنسيج والملابس والجلد من جهة أخرى وقد تراجع تصدير هذين القطاعين على التوالي %11،4 و%18،7 في مارس ثم %62،1 و%83،5 في افريل وأخيرا %49،8 و%32،4 في ماي..وهذه السلسلة وبهذا الحجم لا يمكن أن تترك ولو مؤسسة واحدة داخل هذين القطاعين الأساسيين دون أضرار كبيرة وذلك على امتداد ثلاثة أشهر كاملة.

ومادامت القطاعات المصدرة تتعامل أساسا مع دول الاتحاد الأوروبي التي تسجل لوحدها %72،1 من جملة صادراتنا فهذه الأزمة ستتواصل لأشهر عديدة وإن كان بحدّة أقل من الذروة التي نحن بصدد مغادرتها تدريجيا.

وتراجع التصدير بهذه الدرجة ينعكس مباشرة على كل النسيج الصناعي وأحيانا الحرفي والتجاري المرتبط بهذه القطاعات إما عن طريق المناولة أو إسداء جملة من الخدمات لهذه المؤسسات الصناعية ، وتثبت كل المعطيات المتوفرة إلى حدّ الآن أن جل المؤسسات (أكثر من %70 حسب وكالة النهوض بالصناعة) ستلجأ إلى التقليص من حجم اطاراتها وعمالها حتى تتمكن من الصمود ومن البقاء في انتظار الاستعادة التدريجية لنسق نشاطها المرتبط جوهريا بنسق الطلب العالمي اليوم.

مرة أخرى تجد الحكومة نفسها أمام معضلة كبرى: كيف يمكن العمل لإنقاذ كل ما يمكن إنقاذه من مؤسسات ومن مواطن شغل حتى نجد نسيجا صناعيا له الحد الأدنى من التنافسية عندما يعود الطلب العالمي إلى مستوياته السابقة قبل الكوفيد 19 أي انطلاقا من الثلاثي الثاني لسنة 2021؟كيف نصمد خلال هذه الأشهر الطويلة ؟ خاصة وان الغالبية الساحقة لهذه المؤسسات لا قدرة لها – لو تركت لوحدها – على الصمود حتى عندما نتحدث عن المؤسسات الصناعية الكبرى المعتمدة على شراكة وثيقة مع كبريات المؤسسات الاقتصادية في العالم إذ بدأت في غالبيتها الساحقة ومنذ شهر ماي الماضي في الاستغناء عن كل العملة الوقتيين(les intérimaires) وكذلك عن أصحاب العقود ذات المدة المحددة(CDD) وهي بصدد تسريح جزء من أصحاب العقود ذات المدة غير المحددة (CDI).

وينبغي أن يضاف الى هذا العدد الضخم في القطاع الصناعي والذي لا نملك تقديرا دقيقا له كل مواطن الشغل التي خسرناها في أهم قطاع تشغيلي وهو البناء والأشغال العامة (حوالي نصف مليون موطن شغل) وكذلك كل العمال الموسميين في قطاع السياحة وجزءا هاما أيضا من العملة القارين وما يرتبط بهذا النشاط بصفة مباشرة كالحرف والصناعات التقليدية وصناعات والأثاث والبناء وكذلك كل ذلك النسيج الخدماتي والتجاري الذي يخلق مئات الآلاف من مواطن الشغل والرزق بفضل النشاط السياحي لبلادنا ..

التحدي ضخم للغاية وإجراءات تأجيل دفع مستحقات هذه المؤسسات لدى الجباية أو الضمان الاجتماعي أو المؤسسات العمومية لا يكفي ولا يوقف هذه الكارثة القادمة.

للتشبيه نقول إننا أمام مريض في غيبوبة اصطناعية وتقدير الأطباء انه سيتعافى بعد ثمانية أو تسعة أشهر ويبقى السؤال من سيدفع ثمن الإنعاش لكامل هذه المدة ؟ ومن له القدرة على إبقاء شخص (أو مؤسسة) على قيد الحياة بصفة اصطناعية لفترة طويلة ؟

يظن بعض التونسيين أن المؤسسات الصناعية والخدماتية في بلادنا هي مؤسسات قد كدست أموالا طائلة وأنه بإمكانها الصمود دون مداخيل او بمداخيل محدودة لمدة سنوات لا لمدة أشهر فقط .. وإزاء هذه الأوهام لا نجد من يقول للتونسيين من السلطة التنفيذية أو من القيادات الحزبية أن الغالبية الساحقة لهذه المؤسسات الاقتصادية تعيش وفق ما يمكن أن نعبر عنه بقولتنا الشعبية « الحبل على الجرارة» وان أهمها وأكثرها صلابة قد يصمد لشهر أو شهرين على أقصى تقدير ..

نحن على يقين بان الحكومة المنكبة اليوم على إعداد ملامح برنامج للإنقاذ لتقديمه أمام مجلس نواب الشعب يوم 25 جوان الجاري تدرك جيدا كل هذه التحديات ولكن لو لم نمكن كل هذا النسيج الصناعي والخدماتي من الشروط الدنيا للتنفس الاصطناعي اليوم وذلك باتخاذ إجراءات سهلة ومباشرة وقوية فإن البلاد ستستفيق على كارثة لم تشهد مثيلا لها منذ استقلالها.
إن ما نرفض – أو نتلكأ في - إنفاقه اليوم وبكل سرعة سوف نضطر الى دفع اضعاف أضعافه دون القدرة على تجنب اسوإ مخلفاته ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115