وقبيل الآثار الارتدادية لهذا الزلزال: تسونامي اجتماعي واقتصادي قادم كذلك عالميا ووطنيا.. وفي الحقيقة فقد بدأت آثار هذا التسونامي تظهر بقوة. ففي تونس مثلا تراجعت التجارة الخارجية بحوالي 30 ٪ في شهر مارس والآن بقرابة 50 ٪ في أفريل المنصرم.
والسؤال اليوم هو هل يمكننا في تونس إنقاذ الاقتصاد وبالتالي مواطن الشغل والرزق؟ وما هي كلفة هذا الانقاذ؟ ومن سيدفعها غدا؟ ثم هل يمكن انقاذ الاقتصاد بصفة اصطناعية ولفترات طويلة نسبيا في انتظار عودة اشتغال الآلة الانتاجية بنسقها قبل الأزمة؟
أسئلة عدة آنية مطروحة اليوم أمام حكومة الفخفاخ ولا نعتقد أن العزف المطول على النجاح في محاربة الجائحة قادر على تعويض هذه الاجابات كليا أو جزئيا.
الإنقاذ يعني مسألة واحدة: ما هو حجم المبالغ التي يمكن للدولة ضخها للمؤسسات وللمواطنين من ذوي الدخل المحدود أو المتوسط والذين تراجعت مداخيلهم بصفة كبيرة جراء هذه الجائحة؟ كم ستنفق الدولة لتجنب الانهيار الاقتصادي والاجتماعي؟ ومن أين ستأتي بهذه الموارد؟
لقد خصصت الحكومة منذ البداية مبلغ 2،5 مليار دينار بعضه سيُضخ بصفة مباشرة للعائلات المعوزة أو محدودة الدخل ولكل المهن والحرف المتضررة أو لدعم المؤسسات الاقتصادية وضمان مواطن الشغل فيها وبعضها يتمثل في إعفاء المؤسسات والأفراد من بعض المعاليم العائدة للدولة. ولكن الواضح أن إنقاذا فعليا للاقتصاد وللمواطنين يحتاج على الأقل لأربعة أو خمسة أضعاف هذا المبلغ، أي حوالي 10 ٪ من الناتج المحلي الاجمالي لا 1،8 ٪ كما هو الحال الآن.. ولكن نعلم أيضا أن هذه المبالغ الضخمة - والتي لا نملكها اليوم - لن تكون قادرة على إنقاذ كل المؤسسات أو كل مواطن الشغل والرزق، لأن اقتصادنا سيعيش بها وكأنه في حالة انعاش وهذا ما سيخلف حتما خسارة أجزاء مهمة من نسيجنا الاقتصادي وتبعا لذلك من مواطن الشغل والرزق، ولكن ضخ 10 ٪ من الناتج سيسمح ولا شك بالتخفيف الى الأقصى من الموجة الأولى للتسونامي الاقتصادي والاجتماعي وسيسمح بمرافقة ذكية لجل المؤسسات والقطاعات والمهن لتسترجع تدريجيا نسق نشاطها، وألا ندفع كذلك بمئات الآلاف من العائلات الى الفقر المدقع والى آفات الجوع والخصاصة.
لقد أخطأت الحكومة في البداية - ومعها نخب سياسية ونقابية وجمعوية عديدة - عندما اعتقدت أن الحلّ هو في اجبار الأثرياء بلطف على دفع هذه الفاتورة.. والخطأ واضح وبيّن بدليل أنه لا وجود لاقتصاد جدي في العالم فكّر في هذا الحلّ بل لقد حصل العكس تماما: دعم المؤسسات وتحفيز المستثمرين. ويكفي أن نعلم أن أهم بنوك البلاد لما تجمعت قررت أن تدفع مساهمة أولى بمليون دينار لكل واحدة منها ثم عشرة مليون دينار بما أعطانا أكثر من مائة مليون دينار كتبرعات لمجمل البنوك التونسية... كم يمثل يمثل هذا المبلغ من المطلوب اقتصاديا للانقاذ؟ حوالي 1 ٪ في صورة عمدت البلاد فعلا إلى تخصيص 10 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي لإنقاذ الاقتصاد.
الحلّ الاقتصادي الجدّي أعمق وأهم بكثير من استجداء أو تهديد أصحاب العمل.
هنالك ثلاثة حلول لا رابع لها فيما نرى:
1 - مزيد التداين الخارجي والداخلي معا والنتيجة واضحة لا تحتاج لمزيد التفصيل: ارتهان متفاقم لقدرات البلاد ولأجيالها القادمة.
2 - اقحام جزء هام من الاقتصاد الموازي ماليا واقتصاديا في الاقتصاد المنظم وألا تستثني من هذه العملية إلا النشاطات الإجرامية، ولكن هذا الاقحام التدريجي لا معنى له إلا بتخفيض كبير للجباية على المهن - بأصنافها - والمؤسسات باستثناء الطاقة والمناجم والبنوك والقطاع المالي والمساحات الكبرى والأنشطة الاقتصادية المحمية أو تلك التي لها صفة ريعية واضحة، وهذا يتطلب نظرة جديدة للجباية ولدور الدولة ولعلاقة المواطن بهما وهو اصلاح ضروري ولكنه لن يكون كافيا لإنقاذ اقتصاد البلاد بل سيكون دوره ضروريا في مرحلة إعادة البناء والانتعاش.
3 - الحلّ العاجل الممكن هو الشروع الفوري في التخطيط لتفريط الدولة في جزء من ممتلكاتها وأسهمها في القطاعات التنافسية سواء بالتفويت الكلي أو الجزئي أو بادخال شركاء استراتيجيين.
لو أحسنا إدارة هذه العملية فسنجلب للبلاد ما يكفي للإنقاذ وكذلك للانعاش.
والأمل هو أن يُخصص جزء من هذ الموارد الجديدة لتطبيق آليات ناجعة للتمييز الايجابي.
ولكن الإشكال هنا هو في غلبة النظرة العقائدية عند جزء من نخب الحكم والمعارضة على حدّ سواء والتوهم بأن الدولة قادرة على كل شيء وأن الأموال موجودة وما علينا إلا «غرفها» من أصحابها..
بداية الاصلاح الفعلي والمفيد للبلاد تبدأ بالجرأة في مواجهة فكرية أو لا وعملية ثانية لكل هذه المعيقات.
فهل سيكون الياس الفخفاخ رجل الاصلاح الذي انتظرته تونس منذ عقود؟
ذلك هو السؤال...