السياسيون والفرص الضائعة ...

جرت العادة بعد تشكيل كلّ حكومة، أن ننتظر مرور مائة يوم لنبدأ في عمليّة تقييم أداء الوزراء، إن كان على مستوى القدرة على التواصل مع الإعلام

أو التنسيق مع بقية المسؤولين أو وضوح الرؤية، وهو تمرين ديمقراطيّ جيّد ينجزه الإعلاميون والمحلّلون، والكروكونورات، وكذلك «النبّارة» على الفايسبوك لتبرز في النهاية، صورة الوزير/ة التي اشترك الجميع في نحت ملامحها وبنائها سياسيّا وأخلاقيّا واجتماعيا ورمزيّا. وتفضي عمليّة التقييم إلى ترسيخ تراتبية جديدة بين الوزراء يصنفون وفقها حسب معايير مختلفة ومتباينة ويتم الفرز إذ تفضح الولاءات وتبرز الإفادة من الامتيازات وتلح رهانات السلطة والموقع والنفوذ ... ولكن تأخّر موعد تنصيب الحكومة الجديدة ليتزامن انطلاق عملها مع تفشي وباء الكورونا فهل يمكن القول: «ربّ ضارة نافعة»؟

لنعتبر أنّ انشغال التونسيين بمعرفة أسرار هذا الوباء، وكيفيّة التوقي منه ، وضمان «طوق النجاة» قد جعل تركيزهم على وزير الصحة مفهوما وعيونهم كليلة عن بقيّة الوزراء فهل استغلّ هؤلاء الفرصة ؟ وهل استطاعوا التركيز على بناء استراتيجية واضحة تحسّبا للطارئ واستعدادا للقادم، لاسيما وأنّ تفشي الوباء في أوروبا سمح لهم بالاطلاع على الهفوات وكذلك الممارسات الفضلى؟ فماذا حدث؟

لم تكن لوزير الشؤون الدينية النظرة الاستشرافية التي تسمح له بتوعية التونسيين بما سيتخذ في القادم من الشهور، من إجراءات تشمل الصلاة الجماعيّة أو دفن الضحايا ولم تكن له الشجاعة ليتخذ قرار منع الحجّ وإطلاق حملة لحث الناس على تقديم المساعدات للمستشفيات والتطوع وترسيخ قيم التآزر ... وإنّما كانت القاعدة المعمول بها لديه : «دعها حتى تقع» «ومع كلّ حادث حديث» ففوجئ الناس بفئات تمنع دفن الموتى وأخرى تقيم الصلاة الجماعية قسرا إلى غير ذلك من التصرفات التي كان بالإمكان تفاديها لو كانت هناك خطّة استباقية . وقس على ذلك بقيّة الفرص الضائعة إذ لم نتبيّن وضوح الرؤية ولا الجرأة في حسم المسألة لدى وزيري التربية والتعليم العالي مع علمهما جيّدا بأنّ استئناف الدراسة في الصيف وبعد انقطاع دام أشهرا، وفي سياق لا يتوفّر فيه الاستعداد ولا الاقتناع بجدوى العمل لن يوفّر الضمانات الكافية لإنهاء السنة وتحقيق النتائج المرجوّة.

ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى وزير الخارجيّة يكفي أن نشير إلى الظروف المهينة التي جرت فيها بعض عمليات الإجلاء، وإلى الوضع المخجل الذي عاشه الطلبة في موريتانيا ولولا تكفل رجل أعمال موريتاني بإعالة أبنائنا لكان الوضع أسوء. ولا نعدم الأمثلة التي تثبت ارتباك عدد من الوزراء في أوّل اختبار، وتفويتهم للفرص التي كان بإمكانهم استغلالها لإثبات مدى قدرتهم على ابتكار الحلول والسرعة في اتخاذ القرار وبناء الثقة مع التونسيين.

ولئن حاز وزير الصحّة على رضا شرائح هامّة من التونسيين في انطلاق عمليّة إدارة الأزمة فإنّه سرعان ما انحاز وراء المصالح الحزبية واستهواه السباق الانتخابي مثله مثل عدد آخر من المسؤولين ولذلك وجدنا وزيرا يتنقّل من وسيلة إعلام إلى أخرى محتكرا الأضواء راغبا في الظهور في صورة البطل المنقذ ، وهو أمر لم نلحظ له مثيلا في التغطية الإعلامية العربية أو الغربية الخاصة بوزراء الصحة. فهل هو الاستثناء التونسي الذي جعله يفوّت الفرصة؟

يبدو أنّ تفويت الفرص لكسب ثقة التونسيين وإبداء القدرة على أداء الدور المنوط بعهدة كلّ مسؤول/ة هو شعار المرحلة .فبعد انفلات مجلس الشعب وفشل رئيسه في إثبات «حكمته› وقدرته على ترسيخ الشفافية واحترام القوانين وإجراء الإصلاحات والإصغاء إلى الانتقادات الموجهة لنواب فشل أغلبهم في أن يكون في خدمة الشعب وصاحب أخلاق بات من الصعب أن نقتنع بأنّ مسار الانتقالي يسير بخطى ثاب نحو النجاح . وبعد تورط عمداء وولاة ونوّاب وغيرهم من الموظفين في الفساد والاحتكار والتهريب وغيرها من عمليات النهب هل يمكن الحديث عن انطلاق ‹إصلاحات كبرى› ستقبل عليها حكومة «الفخفاخ»؟ لقد سقطت الأقنعة.

ستنجلي أزمة الكورونا ومعها سترفع الحجب ... ولا شكّ عندنا أنّ ردود فعل التونسيين ستكون مختلفة وصادمة . إنّ زمن ما بعد الكورونا هو زمن مساءلة هذه الحكومة ونواب الشعب ومحاسبتهم ولا نحسب أنّ التاريخ سيرحم من امتهنوا تفويت الفرص.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115