من حالة الفزع و بث «الطمأنة» ،و لكن إذا كان ذلك قراءة خاصة لحقيقة الأوضاع ، فإن ذلك من قبيل غرس النعامة لرأسها في الرمل للسيطرة على الخوف .
هذه الحقيقة قرأها التونسيون في سمات وتعابير وجه رئيس الجمهورية و هو يتوجه بكلمة للرأي العام بنبرة لا تختلف كثيرا عن النبرة التي تحملها الكلمات السابقة، ولكن مع زيادة في الإرتعاش والتلعثم ممّا ضخّم المخاوف و وسّع في نطاق الحيرة والتساؤلات.
وما زاد الطين بلّة أن اختلاط السبل في أذهان الحكومة و الضعف في السياسة الاتصالية و التواصل مع عموم الناس ، كشف غياب خطّة محكمة لمجابهة الأوضاع مع كثرة الفتواي و الآراء ،دون أن تظهر جهة رسمية ماسكة بكل الخيوط و مالكة لمختلف الأجوبة الّتي كان من المفروض أن يقع إعدادها ضمن خلايا مغلقة مالكة لمختلف المعطيات و لها سلطة القرار والتنفيذ بالصرامة الّتي يقتضيها الظرف.
لقد نبهنا في المدّة الأخيرة إلى كل الهنات والمخاطر من مزيد إنتشار الوباء، وإلى التدابير المصاحبة الّتي يجب اتخاذها في الإبان و إصدار بلاغات وقرارات عملية واضحة ، و لكن بدل الإصغاء إلى الدعوات الصادرة عن منظمات المجتمع المدني والنخب و الكفاءات في مختلف القطاعات ، لاحظ المتابعون حالات الارتباك و التضارب في المواقف و التصريحات و الإختلاف في الإجراءات ،إلى درجة أن وسائل الإعلام الّتي هي بصلة مباشرة بمختلف فئات الشعب لم تعد قادرة على تقديم التوضيحات اللاّزمة، وأصبحت هي أخرى تجيب أحيانا بالتساؤل ردّا على الاستفسارات.
عندما أصبحنا في حاجة إلى مزيد التنسيق و التآزر و تمتين اللُّحمة بين مختلف الهياكل، لا يغيب عن الملاحظ حرص أطراف السلطة على التسابق في الظهور دون تقديم إضافات لمجابهة المستجدات ، و الخروج لاستعراض بديهيات ، دون أي تركيز على تقديم الحلول السريعة و دون طرح المبادرات الكفيلة بالمجابهة الجدية لانتشار الوباء.
ورغم أن المجهود الكبير الّذي يبذله الأطباء و الإطار شبه الطبي و الحضور الدائم لوزير الصحة والأداء الطيب لإطارات وزارته ، فإن كل ما يُبذل يذهب في مهب الرّيح بمجرد أن تتخلف الجهات المكلفة بفرض الإجراءات الوقائية عن المتابعة أو تتأخر عن فرض تطبيق ما هو مطلوب منها بالصرامة الّذي يقتضيها القانون ، و الدليل على ذلك ما حصل في مطار
تونس قرطاج يوم الجمعة 20 مارس 2020 من فوضى واستهتار بالسلطة عندما رفض وافدون من الخارج ،و خاصة القادمون من تركيا الامتثال للإجراءات الوقائية ،و تحدّيهم للدولة عندما رفضوا الخضوع للإجراءات الواجب تطبيقها و»انتشروا» في مختلف الجهات و هو ما قد يحول دون متابعتهم بالسرعة المطلوبة قبل احتكاكهم ببقية المواطنبن وعائلاتهم. هذه الحالة جعلت بعض النشطاء السياسيين وفي المجتمع المدني يعبرون على مخاوفهم من مخاطر أمنية لإمكانية إستغلال الظرف لتسرب أشخاص إرهابية أو غيرها من الأشياء الّتي تهدّد أمن البلاد ، و هي أمور لا نعتقد أنها تخفى عن المصالح الأمنية والجمركية.
حدث هذا التعنت و التجاوز بالرغم من أنه كان بالإمكان اّلا يخرج أحد إلى بهو المطار، و أن يقع تأمين نقل كل الوافدين مباشرة من أرضية المطار بعد تنظيم إجرءات الدخول والتثبت في كل كبيرة صغيرة إلى الأماكن المعدّة مسبّقا لمثل هذه الحالات .
إن مجهود مصالح وزارة الصحة والأطباء ،و مساعي جمع التبرعات و إتخاذ تدابير التوقي من انتشار الوباء ، لا معنى له ، إذا لم يقع الحد من إنتشار العدوى عبر الوافدين من الخارج و المقيمين بالدّاخل . كما أنه لا فائدة من الخطب الفضفاضة والتباكي على الأحوال، دون إتخاذ إجراءات عملية و علمية واضحة و تدابير مصاحبة على النطاق المركزي بمذكرات و أوامر و تعليمات ومناشير بعبارات صريحة تضعف النقاط على الحروف، وعلى النطاق الجهوي بإتخاذ ما يلزم في إطار تقدير المصلحة الوطنية.
لقد سبق أن طالبنا بهذا على أعمدة جريدة المغرب بخصوص التدابير المصاحب الواجبة اتخاذها في مختلف المجالات و من بينها المجال القضائي الّذي إختلفت فيه الإجراءات وتعدّدت ، ولكن نعاين «اللّخبطة» الحاصلة في أغلب المحاكم ،رغم أن المعنيين بالشأن القضائي مختصون في المجال القانوني وكان يفترض أن يكونوا السباقين في تفصيل كل الضوابط والإجراءات العامّة الواجبة التطبيق في كل الدوائر القضائية.
كل هذا لا يطمئن، و أصبحنا نلمس من ردود فعل الماسكين بالسلطة في اليومين الأخيرين تخوّفا كبيرا من مضاعفات الاستسهال والمرونة الّتي تم التعامل بهما مع الوضع منذ البداية ، و هذا مؤشر على أن لأيام المقبلة ستكون صعبة على الجميع ولا مفر من فرض الانضباط و احترام موجبات الحضر و الحجر الصحي الجبري إلى حين زوال المخاطر.