موكب التسليم والتسلم بين الشاهد والفخفاخ: انتصار جديد للثورة الديمقراطية الإصلاحية التونسية

يمكن أن نقول كل شيء عن خيبات الأمل والإخفاقات في هذه العشرية الأولى للثورة التونسية وعن تراجع أهم مؤشرات الاقتصاد وعن اليأس

الذي دبّ في قلوب الشباب وارتباك السياسيين وتواضع أداء كل المؤسسات الناجمة عن الثورة، ولكن نجاحاتنا الديمقراطية عظيمة لا فقط قياسا بمحيطنا الإقليمي ولكن كذلك بتاريخنا المخصوص وبتاريخ كامل الفضاء العربي الذي نتحرك فيه..
لنقل ما نريد في الشاهد وحكومته الراحلة وفي الفخفاخ وحكومته القادمة ولكن الديمقراطية التونسية الناشئة سليمة وناجحة والتداول السلمي على السلطة لا تشوبه شائبة وانتخاباتنا الستة في أقل من عشرية غير مزورة وحرية التعبير والتنظيم في بلادنا تكاد تكون مطلقة رغم كل الانتقادات ورغم كثرة الهنات وتسرب لوبيات الفساد في ظل الضعف الذي انتاب الدولة وأجهزتها بعد العاصفة الثورية التي أطاحت برأس المنظومة القديمة ..
صحيح أن إخفاقاتنا كثيرة وأننا لم نتمكن إلى الآن من النجاح ،ولو النسبي، في الانتقال الاقتصادي والاجتماعي، ولكن كم هي عظيمة لحظة التداول السلمي على السلطة بعد انتخابات حرة وغير مزورة رغم كل ما اعتراها ورغم أشهر من المفاوضات والمناورات وإسقاط حكومة أولى ومرور ثانية بالحد الأدنى النيابي..
إلى كل من يحنون إلى ماضي الاستبداد دون أية نظرة نقدية نقول إن جوهر النضال الوطني ضد الاستعمار كان من اجل الحرية،حرية كاملة غير مشروطة،وأن جوهر الفكر البورقيبي تحرري بالأساس رغم الممارسة السلطوية التي انتهت بشبه عبادة الشخص ثم تواصلت مع بن علي في شكل مختلف حيث نشأت وترعرعت لوبيات الفساد.
ولكن مهما كان نقدنا لفترتي دولة الاستقلال فلا يمكن أن نغمط الحركة الوطنية حقها وأن نتناسى جانبها التحرري بحجة وجهها التسلطي ولذلك استعملنا في العنوان عبارة قد تبدو غريبة وهي «الثورة الديمقراطية الإصلاحية» إذ الثورة في قاموس السياسة غير الإصلاح والإصلاحية والديمقراطية قد تخفي أو قد تغطي على البعد الاجتماعي الواضح لثورة 17 ديسمبر /14 جانفي.


ولكن جلّ التونسيين أرادوا من لحظة الثورة البناء على لحظة الاستقلال ومنجز الدولة الوطنية.
ثورتنا في جدليتها التاريخية لم تقم على إلغاء الماضي أو سحقه كما تقول العبارة الشهيرة في أنشودة الأممية(du passé faisons table rase) بل قامت ثورتنا على «طاولة» دولة الاستقلال ولكن بأفق ديمقراطي جديد ولذلك نرى أنها في عمقها ثورة إصلاحية تهدف إلى إقامة إصلاح ثوري يستعيد القيمة الفلسفية الأساسية للديمقراطية وهي المساواة بين الأفراد بغض النظر عن كل الانتمائيات والتحديدات الجماعية والثقافية والتاريخية. ولذلك لا نخال أن لتونس مستقبلا خارجا عن هذا الأفق الثوري الإصلاحي الديمقراطي ..
والديمقراطية هنا لا تعني فقط البعد السياسي المتمثل في الحريات الفردية والجماعية والانتخابات والمؤسسات التمثيلية والتداول السلمي على السلطة رغم الأهمية القصوى لكل هذه الأبعاد ولكنها تعني أيضا القضاء التدريجي على نظام الامتيازات المتوارثة ماديا ومعنويا بإعطاء مضمون فعلي وعملي للمساواة في الفرص، فرص التميز المعرفي والمهني والمادي لكل بنات وأبناء تونس وألا يكون عالم التميز حكرا على فئات أو جهات أو عائلات بعينها وهذا هو المعنى العميق للكرامة كبعد اجتماعي للديمقراطية.
ولكن الديمقراطية كذلك وقبل كل شيء قيم، الحرية على رأسها والمساواة عمادها واحترام المختلف المغاير قوامها واستقلالية إرادة الفرد حجرتها الأساس، وعلى هذه القيم يتأسس العيش المشترك والتضامن الضروري بين كل أفراد الشعب.
لو نظرنا إلى هذا الأفق للثورة الديمقراطية الإصلاحية لقلنا بأننا مازلنا في الخطوات الاولى لهذه الطريق الطويلة ولكننا تأكيدا في الطريق الصحيحة والتداول السلمي على السلطة الذي حصل يوم أمس دليل إضافي بأننا لم نخطئ هذه الطريق.
اليوم حكومة الياس الفخفاخ لم تستلم السلطة التنفيذية من حكومة يوسف الشاهد فحسب بل هي مؤتمنة كذلك على هذا الأفق الديمقراطي الإصلاحي. لنقل بان عهدة نيابية واحدة غير كافية لتحقيق هذا الطموح ولكن لو خطونا خطوات في الاتجاه الصحيح وتركنا أوهام العقائد والإيديولوجيات جانبا وشمرّنا جميعا على ساعد الجد وبذلنا قصارى الجهد لتحسين كل منتوجاتنا السلعية والخدماتية كما وكيفا وطورنا في إنتاجية كل العوامل (العمل ورأس المال واللوجستيك والابتكار ...) فإننا بذلك سنؤمن بصفة نهائية الانتقال الديمقراطي. مصلحة الجميع أن نطوي الآن ملف المناورات والحسابات والتكتيكات السياسوية وان نعمل جميعا من اجل البناء كل من موقعه وبنظرة نقدية تثمن الايجابي وتشير إلى مواطن الضعف والوهن والتراجع وان نقتنع بأنه لا إمكانية لنتائج ايجابية باهرة في وقت قصير وان الأساسي اليوم هو سلامة السياسات العمومية التي ستقترحها علينا حكومة الفخفاخ..
العبرة دوما بالبدايات والكرة الآن عند صاحب القصبة الجديد،فطريق الإصلاح واضحة مهما افتاك الناس وافتوك..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115