لتقديم حكومته إلا في الدقيقة الأخيرة منها،بل في الثواني الأخيرة من الدقيقة الأخيرة بما يعكس صعوبة المسار وتعقد المفاوضات وتصارع الإرادات رغم كل التدخلات والوساطات التي جدت خاصة في الأيام الثلاثة الأخيرة ..
بعد أن وافقت حركة النهضة عن مضض على المشاركة في هذه الحكومة وبعد أن تأكد الجميع انه لا وجود لحل ثالث فإما أن تمر حكومة الفخفاخ أو تذهب البلاد إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها ..بعد كل هذا وبعد أن رأينا أغرب التحالفات والاقتراحات (من صنف تعويض النهضة بقلب تونس ) يبدو أن هذه الحكومة ستنال ثقة مجلس نواب الشعب لا حبّا وحماسة من قبل الأغلبية بل خوفا من كل التداعيات غير مأمونة العواقب من ولوج مرحلة طويلة من الاستعداد لانتخابات قادمة ومن الكلفة السياسية والاجتماعية لهذه المغامرة..
ظاهريا ستتكون هذه الحكومة من أربعة أحزاب أساسية وهي النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس وحزبين لهما تمثيلية برلمانية ضعيفة وهما البديل والنداء وهذا «الحزام» يشكل حوالي 110 نواب أي بالكاد الأغلبية المطلقة في البرلمان (109) ولكن الأكيد أن عددا من النواب سيمنح ثقته لهذه الحكومة حتى يضمن لها المرور ويتجنب الجميع الذهاب إلى صناديق الاقتراع من جديد..
لقد أتينا يوم أمس على جملة الأسباب التي دفعت بالنهضة في الدقيقة الأخيرة من زمن التكليف إلى القبول ،عن مضض،الدخول في حكومة الفخفاخ وهي استحالة «الحل الدستوري» القاضي بسحب الثقة من حكومة يوسف الشاهد والخوف من جمع السلطتين التنفيذية والتشريعية في يد قيس سعيد مباشرة اثر حل البرلمان والى حدود انعقاد المجلس النيابي الجديد أي ما يقارب الأربعة أشهر علاوة عن «المفاجآت» التي يمكن أن تخرج من صندوق الاقتراع ..
ولكن بعد حصول الياس الفخفاخ على ثقة البرلمان،وهذا هو الغالب على الظن،فهل ستكون لديه حكومة فعلا ؟ اي حكومة موحدة لخدمة برنامج إصلاحي طموح ومستندة إلى أغلبية برلمانية مستقرة لها وجود لا داخل البرلمان فقط بل وكذلك على الميدان لتغيير سياسة الحكومة وللدفاع عن قراراتها ؟
هل ستكون للفخفاخ حكومة موحدة في مواجهة التحديات المالية والاجتماعية ؟ أم أن جل مكوناتها ستفكر دوما وفق جدلية الربح والخسارة الحزبيتين لا الحكوميتين ؟
لا نريد أن نستبق الأحداث ولا نريد أن نقول بان القيادات السياسية والشخصيات المستقلة المشكلة لهذه الحكومة بقيادة إلياس الفخفاخ لا تملك الإرادة والرغبة في النجاح وفي خدمة البلاد بإخلاص ..ولكن هل أن الإرادات موحدة حول أهداف واضحة ؟وهل أن التناحر السياسي بين مختلف هذه المكونات سيهدأ فجأة وسط الأسبوع القادم مع منح حكومة الفخفاخ الثقة ؟
لا يجادل احد في الصعوبة الكبرى لحكم تونس اليوم وفي تحقيق تحسن واضح لأوضاع البلاد في وقت قصير نسبيا وان مجتمعنا أصبح عسير الإصلاح وان أهم المكونات السياسية والاجتماعية والآن المؤسساتية ليست متفقة على الطريق الذي ينبغي أن نسلكه وهذا يعقد الإصلاح إن لم نقل يجعله أفقا شبه مستحيل ..
ونضيف إلى هذا الوضع التراجع الكبير للقدرة التوزيعية للدولة،أي أن سياسة «اجتماعية» بمعنى سياسة عمومية تحسن مباشرة من وضعية كل فئات المجتمع الضعيفة والمتوسطة هي بكل بساطة سياسة مستحيلة لأنها انتحارية على المدى القصير والقصير جدا لان موارد الدولة معلومة ومديونيتها مرتفعة ونموها الاقتصادي هش والمطالب أرفع بكثير من الإمكانيات ..
ولكي يتحسن كل هذا ينبغي أن تتحسن كل مؤشرات البلاد وفق ما ترسمه كل وكالات الترقيم السيادي أي الحد من الإنفاق العمومي وتحديث الإدارة وعقلنتها لا فقط رقمنتها والتحكم في العجز التجاري ودفع نسق الاستثمار والادخار وتحقيق نمو مرتفع (%5 فما فوق) بدلا من هذا النمو الهش الذي يقدر بحوالي %1.5 على امتداد كامل هذه العشرية ..
لسنا ندري هل كل مكونات هذه الحكومة متفقة على تشخيص أزمات البلاد وطرق الخروج منها ؟
ما نرجوه هو وضوح الأهداف وصلابة الإرادة من أجل وقف النزيف أولا ثم الإصلاح ثانيا عند حكومة الفخفاخ أولا وعند حزامها السياسي ثانيا ..
هذا المرجو ..ولكن ما نخشاه أن تعود مباشرة بعد منح الثقة المناورات والمناوشات والحسابات الحزبية الآنية والمستقبلية والتكتيكات المعقدة ..
والحال أن مصلحة الجميع هي في إنقاذ البلاد...
الياس الفخفاخ يقدم فريقه الوزاري إلى رئيس الجمهورية: حكومة الاكراهات والتناقضات
- بقلم زياد كريشان
- 10:52 20/02/2020
- 2778 عدد المشاهدات
لو اعتبرنا أن مدة تكليف الياس الفخفاخ ،وهي شهر وبالتدقيق ثلاثون يوما،تساوي فقط الساعة فانه لم يذهب إلى رئيس الجمهورية