إلى حدّ ساعة متأخرة من يوم أمس أن مستقبل الحكومة غير واضح بالمرّة وأن وجودها أصلا غير مضمون .
البداية كانت مع الساعة الحادية عشرة صباحا ومع الندوة الصحفية لمجلس شورى حركة النهضة والذي أعلن رئيسه بوضوح أن الحكومة المقترحة في شكلها الحالي لن تمر وانه –عبد الكريم الهاروني- يدعو الياس الفخفاخ المكلف بتشكيل الحكومة إلى مزيد التروي واستغلال الوقت القصير المتبقي لمحاولة تعديل الكفة.
لسنا ندري إلى أي مدى «أنصت» الياس الفخفاخ إلى هذه النصيحة ولكنه ذهب مرة أخرى لملاقاة راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ورئيس مجلس نواب الشعب في مكتبه بالمجلس في ما وصف بلقاء الفرصة الاخيرة ..لقاء تسبب في تأخير الموعد المعلن بين الفخفاخ وقيس سعيد للإعلان عن تشكيل الحكومة..
في النهاية وقع تأجيل الإعلان إلى يوم السبت 15 فيفري لعلّ المكلف يتمكن خلال هذه الساعات القادمة من إيجاد حل انعدمت إمكانيته على مدى هذه الأسابيع الفارطة.
أين يكمن الإشكال ؟
يكمن الإشكال في صراع الإرادات – وخاصة إرادتي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب – في وضع الأمر الواقع المناسب وفي فرض قيادة سياسية وحيدة لهذه الخماسية وكل يدعي الاحتماء بشرعية انتخابية إما رئاسية أو تشريعية .
هذا هو أصل الخلاف وكل الاعتبارات الأخرى جزئيات وتفاصيل ..
النهضة تريد حكومة «وحدة وطنية» أي يهمش فيها إلى حد كبير دور التيار الديمقراطي وحركة الشعب بإقحام الحزب الثاني في البرلمان قلب تونس وهي تريد مع ذلك،وفي نفس الفلسفة أن يساوي عدد حقائبها أو يفوق حقائب التيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس مجتمعة مادام عدد نواب النهضة (54 نائبا ) يتجاوز عدد مقاعد هذه الأحزاب الثلاثة (51 نائبا) .
في المقابل يصر الثنائي سعيد / الفخفاخ على استبعاد قلب تونس من الحكومة القادمة مقابل الإقرار بدوره «الهام» في المعارضة وألا تتغول النهضة في التشكيلة الحكومية القادمة..
والواضح في عملية لي الذراع هذه التي تتواصل على امتداد ثلاثة أسابيع ،أي منذ إعلان الياس الفخفاخ في أول ندوة صحفية عن طبيعة حكومته وحزامها السياسي وانخراطها في نهج الرئيس قيس سعيد الواضح كما قلنا أننا لسنا أمام محاولة لتحسين شروط التفاوض لهذا الطرف أو ذاك بل نحن أمام تصورين متنافرين إلى حد كبير والصراع بينهما ليس مجرد صراع حدود ،بل هو إلى حدّ كبير صراع وجود ..
ولكن ما دمنا في عالم السياسة، عالم المعارك السلمية، فالحلول الوسطى تبقى دوما قائمة ولكن شريطة أن يجد كل طرف فيها ما يكفي من عناصر لمروية انتصار أو لإظهار الكرم في التنازل لـ«مصلحة الوطن».
والسؤال من سيتنازل لمن؟ وماهي حسابات الخسارة والربح لكل طرف؟
حصة النهضة في الحكم هي الأقرب منالا، أي بإمكان الياس الفخفاخ بعد أن منح وزارة سادسة للحركة الإسلامية يوم أمس أن يضيف إليها وزارة أو وزارتين أخريين، فهذا مقدور عليه إلى حد ما وبإمكانه إقناع بقية الشركاء (التيار والشعب وتحيا) بأن الحكمة تقتضي بالا تستعدى حركة النهضة ولكن في المقابل سيصر الفخفاخ حتما على استبعاد قلب تونس من حكومته .
فهل سترضى النهضة بتوسيع رقعتها بدل توسيع الحزام السياسي للحكومة ام ستصر على المطالبة بالاثنين معا كشرط أكيد متأكد لمشاركتها في الحكومة المقبلة ؟
اليوم ستكون نهاية (؟) هذه الدراما الهيتشكوكية.