نسبة «حكومة الفخفاخ» للرئيس ثــقة فيه أم توريط له ؟

أصبح تداول اسم رئيس الجمهورية قيس سعيد في الأيام الأخيرة، ملفتا، إلى درجة أن غير العارف بالشأن التونسي،

يبدو له أن هذه الشخصية اكتشفتها النخبة السياسية حديثا، وأن كل ما قيل عند انتخابه كان نتيجة هلوسة عابرة. 

فالّذين كانوا يعبّرون عن استغرابهم من فوزه الساحق في الانتخابات الرئاسية، والّذين كانوا يبحثون عن مصادر دعمه وعن الواقفين وراء صعوده الدّائم في استطلاعات الرأي، تحوّلوا فجأة، إلى مهلّلين له، وإلى معوّلين عليه لتخطّي تونس للأزمة الّتي تتخبط فيها على كل الأصعدة .
لقد تفنّن المنظرون السياسيون في تأويل الدستور وسعوا إلى إقناع أنفسهم واقناع الرأي العام، بأن «قيام الرئيس بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة» تعني بالضرورة، إسناد عهدة دستورية له بتشكيل «حكومة الرئيس».
ورغم اتجاه الرئيس في البداية إلى التشاور بطريقة توحي بأنه سيلتزم بحرفية النص الدستوري، فإن الكشف عن الشخصية الأقدر، أظهر أن اختياره ذهب إلى ما كان مخالفا لما أفرزته المشاورات، وأنه جارى ضمنيا فكرة «حكومة الرّئيس» على خلاف ما صرّح به. فلم يكلّف إحدى الشخصيتين الّلتين توارد اقتراحهما من الأحزاب والكتل النيابية، وذهب مباشرة إلى تكليف من كانت نسبة اقتراحه في أسفل الترتيب، وترك بذلك الجميع في التسلّل.

والغريب أنه بقدرة قادر لم «ينتفض» المقترحون للشخصيتين الحاصلتين على الرتبتين الأولى والثانية، ولم يحتجواعلى عدم احترام الترتيب الّذي أسفرت عنه المشاورات، بل اصطفوا وراء المنادين بتشكيل «حكومة الرّئيس» و أصبحوا يبرّرون تكليف إلياس الفخفاخ، ويجدون لهذا الاختيار، تفسيرات مستمدّة من قاموسهم السياسي، وتناسوا تقييماتهم الساّبقة، فكأنما وضعت على أعينهم غشاوة وأصبحوا لا يبصرون، إلى درجة أن بعضهم انبرى يستعرض خصالا ونجاحات وقدرات يصعب البحث عن أثرها.

هذه المفاجأة أسعدت رئيس الحكومة المكلف إلى درجة جعلته يعبّر عن ولائه التام لخط رئيس الجمهورية، مفصحا عن الخطوط العامة لتشكيلة حكومته الّتي حصرها ضمنيا في شخصيات مقترحة أساسا من أحزاب النهضة والتيار الديمقراطي و حركة الشعب وتحيا تونس وائتلاف الكرامة.

بهذا حسم رئيس الحكومة المكلف انتسابه لـ«حكومة الرئيس»، وبذلك ربط مصير نجاحه أو اخفاقه بخيار الرئيس وبخطّه، الّذي سّمي بـ«الخط الثوري»، وانخرطت الأحزاب الدّاعمة لهذا الإختيار في هذا التوجه، مفاخرة بكونها ستصنف في مجموعة «الخط الثوري» الّذي تمّ رفع شعاره بعد مسار تسع سنوات عجاف من أطراف نجد من بينها من كان ضالعا أساسيا في السلطة أو من لا نعرف مصدر فكره الثوري.

ولكن جميع هؤلاء يتجنبون التعرض لمن سيتحمّل مسؤولية الفشل خاصّة، إذا واصلوا دعمهم لرئيس الحكومة الأقدر لتكوين التشكيلة الجديدة. لذلك يجدر التساؤل عن حقيقة موقف رئيس الجمهورية من ربط رئيس الحكومة المكلف نفسه، بخط من كلّفه ؟
إن تكليف الرئيس للشخصية الأقدر، لا يعني بالضرورة تحمل الرئيس لإخفاق من كلّفه، خاصّة إذا أحجم عن التدخل في تشكيل الحكومة، أي إذا لم تكن له املاءات في تعيين اعضاء الحكومة. ولكن لا يخفى أن الأحزاب والكتل النيابية الداعمة للتكليف، تريد الدّخول في الربح ولكنها لا تقبل تحمل الخسارة، لأنها تفكّر في مستقبلها السياسي، لذلك ستكون هي الأولى الّتي

ستتنصّل من مسؤولية التكليف في صورة إخفاق الحكومة المنتظرة في إصلاح أوضاع البلاد. من هذا المنظار يكون تبني تسمية حكومة الفخفاخ بـ«حكومة الرئيس»، تبن لتسمية ثلاثية الأبعاد، فهي من ناحية، تعبير عن الولاء لرئيس الدولة و تقرب منه لأخذ حقائب في السلطة، وهي من ناحية ثانية، وسيلة للتمتع بمردود النجاح إذا تحقّق، وهي أيضا، طريقة للتنصل من المسؤولية عند الإخفاق.

في إطار كل هذه المعادلات يبدو أن أغلب السياسيين يتعاملون مع المستجدات يوما بيوم، ويظهرون ما لا يضمرون وهو ما وقف عليه المواطنون، بحكم مفاجأتهم في أكثر من مناسبة، بعكس ما قيل لهم. لذلك يُطرح التساؤل عن النوايا الحقيقية من تسمية الحكومة المنتظرة بـ«حكومة الرئيس»، وعمّا يخفيه الرئيس من أوراق في بداية عهدته، وعمّا سيتابعه التونسيون في المشهد القادم من الفصل الثالث من حلقات تشكيل الحكومة المنتظرة...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115