في مشاوراته يوم أمس مع الأحزاب الممثلة في البرلمان وقد التقى عشية يوم أمس بثمانية منهم مخصصا لكل حزب ثلاثة أرباع الساعة.
لقد اختار الياس فخفاخ ترتيبا خاصا ينم عن تصوره الضمني (أو المعلن) للحزام السياسي لحكومته اذ اختار أن يلتقي بالأحزاب مرتبة وفق حجمها البرلماني.
ولكنه استثنى في هذا اليوم الأول من المشاورات مع الأحزاب الحزب الثاني قلب تونس والحزب الخامس،باحتساب عدد المقاعد، الدستوري الحرّ على عكس سلفه غير المحظوظ الحبيب الجملي. إذن التقى الياس فخفاخ بحركة النهضة أولا ثم التيار الديمقراطي فائتلاف الكرامة وحركة الشعب وتحيا تونس، ثم اختار الياس فخفاخ ألا يلتقي بالكتلتين التقنيتين ككيانين قائمي الذات :
الإصلاح الوطني والمستقبل بل التقى ببعض الأحزاب المكونة لهما وهي الاتحاد الجمهوري وآفاق تونس والبديل متبعا دوما نفس المنهجية أي الوزن السياسي للأحزاب وهي دون حزب الرحمة وحركة نداء تونس وحزب المشروع ولسنا ندري هل سيلتقي الياس فخفاخ بهذه الأحزاب في اليوم الثاني من مشاوراته مع هذه الأحزاب أو بعضها أم انه سيقتصر فقط على أحزاب اليوم الأول.
ولكن في كل الأحوال التمشي واضح : لن يكون قلب تونس ولا الدستوري الحر ضمن الحزام السياسي لحكومة الياس فخفاخ والأرجح أنه لن يوجه إليهما حتى مجرد الدعوة قبل تشكيل حكومته، أي انه يضعهما مباشرة في المعارضة ويقصي بذلك كل إمكانية لخطة بديلة عن حكومة «النفس الثوري» وهي حكومة «الوحدة الوطنية».
على افتراض أن هذه الأحزاب الثمانية التي التقى بها رئيس الحكومة المكلف يوم أمس هي التي ستشكل حزامه السياسي فإننا نجد أنفسنا أمام 134 نائبا، ولكن هل ترضى كل هذه الأحزاب بأن تتآلف داخل حكومة فخفاخ القادمة؟ ثم هل ستقبل كلها بمساندة فريقه الحكومي والبرنامج الذي سيقدمه لمجلس نواب الشعب؟
هنالك تسويق لفكرة رائجة اليوم تجعل من كل الأحزاب التي دعت إلى التصويت لقيس سعيد في الدور الثاني في خانة «الخط الثوري» دون أن توضح لنا هذه المروية الجديدة ماهو المضمون الاقتصادي والاجتماعي، أي مضمون كل برنامج حكم ممكن، لهذا «الخط الثوري» ثم ماهي الخيارات الفلسفية والإيديولوجية لهذا «الخط الثوري»؟
هل هو التقدمية المجتمعية أم المحافظة أم الرجعية؟
والحال أننا نجد كل هذا ضمن المسمى «الخط الثوري».
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
لقد اختار الياس فخفاخ أن يتحاور مع أحزاب بعينها قبل أن يوضح السياسات العملية والقرارات الأساسية التي سيتخذها لو منح لحكومته مجلس نواب الشعب الثقة.. وفي هذا التمشي مجازفة يدرك الياس فخفاخ كل خطورتها ،فالنقاش مع هذه الأحزاب – أو حتى مع غيرها – لا ولن يكون بالأساس نقاشا حول البرنامج وحول القرارات الأساسية للحكومة المقبلة بل حول موقع كل حزب في التشكيلة الحكومية ورغبة كل حزب أن يزن فيها وفق وزنه البرلماني وان يضع فيها من يراهم الأجدر من قياداته أو من الشخصيات المقربة إليه.
سيكون هذا النقاش صعبا ومعقدا خاصة عندما يختلط فيه الموقع بالمواقف التي يريد كل حزب من رئيس الحكومة المكلف أن يعلنها علانية.
لاشك انه من المستبعد جدا ألا تمنح كتلة تحيا تونس ثقتها لحكومة الياس فخفاخ وهي التي اقترحته كتابيا في مراسلتها لرئيس الجمهورية كما أن التيار الديمقراطي الذي أعرب منذ البداية عن عدم اعتراضه على شخصية الياس فخفاخ قد يكون مضطرا هو الآخر إلى منح حكومته الثقة خاصة إذا ما بقيت وفية لتيار «الخط الثوري» ولكن بقية الكتل والتي عبر بعضها عن تحفظات حول اختيار هذه الشخصية كائتلاف الكرامة وحركة الشعب لن تكون «مضمونة» يوم التصويت إلا مقابل «تنازلات» هامة من رئيس الحكومة المكلف.
ثم يكفي أن تعلن كتلة واحدة عن عدم رضاها على مسار المشاورات حتى تكون الأغلبية المطلقة لنيل الثقة (109 نواب) في خطر.
كل هذه الاعتبارات السياسية بل والسياسوية قد تجعل رئيس الحكومة المكلف يبحث عن الترضيات والتسويات بدلا من صلابة الفريق وجذبه لأفضل كفاءات البلاد ولوضوح رؤيته وقراراته الأولى التي يترقبها كل الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين داخليا وكل شركائنا في الخارج كذلك..فلا يخفى على أحد أن جدية الفريق وجدية البرنامج بالنسبة للجهات المانحة وعلى رأسها صندوق النقد الدولي ضروريتان للحكومة القادمة لتوفير التمويل الضروري لميزانية هذه السنة وهي كما نعلم في حدود 12 مليار دينار ثلاثة أرباعها بالعملات الأجنبية (اليورو والدولار أساسا).
هذه هي التحديات الآنية الجدية لحكومة الياس فخفاخ ولكن هل هذه هي أوليات المشاورات السياسية التي انطلقت يوم أمس؟
نرجو ذلك ..