ومن سيسعى لوأدها في المهد.. ولكن يمكن أن نقول إن أهم شيء حصل خلال هذا المسار الغريب من مشاورات تشكيل الحكومة هو التحولات الكبرى في المشهد السياسي والتحالفات الجديدة التي ظهرت فيه دون آن يتوقعها احد أياما قليلة قبل حدوثها ..
التحول الأول كان في القطيعة بين حركة النهضة وشريكيها المفترضين التيار الديمقراطي وحركة الشعب،قطيعة بدأت في انتخاب رئاسة مجلس نواب الشعب وتأكدت في مسار تشكيل الحكومة بما جعل هذين الحزبين في موقع المعارضة الصريحة للحركة الإسلامية.. وفي الحقيقة لم يكن هذا التحول مفاجئا كثيرا لأن الشروط الموضوعية لتحالف كهذا لم تكن متوفرة بالمرة لا على مستوى الثقة السياسية بين هذه الأحزاب ولا كذلك على مستوى نظرتها للمشاكل الآنية والهيكلية لتونس..
التحول الأكثر مفاجأة والذي قد يغيّر من توازنات البرلمان الحالي بصفة جذرية هو إعلان رئيس قلب تونس أن حزبه لن يمنح الثقة لحكومة الجملي و..تصالحه مع يوسف الشاهد وحزبه تحيا تونس وهو تحول مفاجئ وغريب في ظاهره بين شخصيتين وصل بهما الخلاف إلى أشده في عملية شيطنة متبادلة تجاوزت كل الحدود..
أي أن حركة النهضة وخلال أسابيع قليلة قد خسرت - مبدئيا- كل التحالفات الممكنة داخل مجلس نواب الشعب باستثناء كتلة ائتلاف الكرامة. فكBن الحزب الأول والماسك إلى حدّ الآن بالمبادرة السياسية في المسارين البرلماني والحكومي بصدد خسارة كل هامش تحرك له داخل المجلس.
التقارب بين قلب تونس وتحيا تونس سيغير كثيرا في المشهد البرلماني لا فقط لأنه يضع حدا «لحرب» ضروس بين الطرفين بل ولأنه يحرر أيضا الطرفين من تحالف تبعي مع حركة النهضة ويهيئ لقطب برلماني قد يبلغ ربع النواب وقد يصل إلى الثلث لو تجسرت العلاقة مع الدستوري الحرّ وهو أمر مازال مستبعدا إلى حدّ ما رغم اليد نصف الممدودة لرئيسة الدستوري الحرّ كما أن لهذا القطب الجديد علاقات ودية مع الرئاسة ومع التيار الديمقراطي عبر بوابة تحيا تونس كما ان علاقات نبيل القروي بحركة الشعب ليست عدائية وهذا يعني إمكانية التحرك في محيط قد يتجاوز نصف نواب المجلس ولكن التقارب بين تحيا تونس وقلب تونس يتجاوز كثيرا مسألة إسقاط حكومة الجملي من عدمه..
فالغاية الأساسية هي استعادة ما يسمى بالنداء التاريخي بجناحيه اليوم قلب تونس وتحيا تونس من جهة وإقحام حزب نبيل القروي في اللعبة السياسية وفك العزلة عنه واتهامه بحزب الفساد والمقرونة.. وعملية «التطبيع» هذه أساسية بالنسبة لقلب تونس لو أراد الدوام في الحياة السياسية التونسية.
ولكن السؤال الأساسي هو هل نسير باتجاه عزل حركة النهضة في البرلمان وفي المشهد السياسي عبر تحالف واسع : كل شيء ،سوى النهضة؟
يبدو لنا أن كل هذه التحولات الهامة لا تهدف إلى وضع حركة النهضة في الزاوية بل فقط إلى «تقليم» أظافرها والحدّ من جشعها وألا تطلق لها اليد داخل البرلمان وداخل الحكومة كذلك وهذا يعني أننا لن نشهد حركة النهضة في المعارضة لأن كل معارضيها لن يمكنهم التوحد ايجابيا ضدها نظرا لتناقضاتهم الكبيرة ولكن قد نشاهد وجود ثلاثة أقطاب كبيرة : الأول النهضة وائتلاف الكرامة بحوالي ثلث النواب والثاني قلب تونس وتحيا تونس وربما الإصلاح الوطني والمستقبل بثلث آخر ثم الكتلة الديمقراطية ونوابها الـ41 فالدستوري الحرّ بـ17 نائبا. والواضح هنا أننا سنكون أمام أغلبيات متحولة وفق الموضوع المطروح : حكومة أو قوانين أساسية وعادية او هيئات دستورية .
ويبقى السؤال الآني والأساسي اليوم هو هل ستؤدي هذه التحولات إلى إسقاط حكومة الجملي بداية وفي هذه الصورة، لو تأكدت، هل يمكن ان تنجح ما يسمى بـ«حكومة الرئيس»؟ وهل سيتمكن قيس سعيد من إيجاد «العصفور النادر» الذي يحظى بثقة أمام الكتل أم أن الأزمة ستتواصل وتضطر البلاد إلى انتخابات سابقة لأوانها؟
اليوم كل السيناريوهات مفتوحة ولكن وفق توازنات برلمانية جديدة وبانخراط لرئيس الدولة قد يجعله يتضرر من فشل ممكن لمرشحه..
الليلة الفاصلة بين 9 و10 جانفي ستكون طويلة على الجميع ..