الفائزة بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات التشريعية لسنة 2019، لتكوين حكومة حسب عبارات الفصل 89 من الدستور . لذلك طلب رئيس الحكومة المكلف مهلة اضافية لمواصلة السعي إلى تشكيل حكومته وهو أمر يجيزه الدستور الّذي ينص على امكانية تجديد أجل الشهر مرّة واحدة لتكوين الحكومة وعرضها على مجلس نواب الشعب لمنحها ثقته .
لقد تابع الرأي العام خلال الشهر المنقضي الجولات الأولى والثانية للمحادثات مع التشكيلات الحزبية الّتي تمت دعوتها و استجابت لذلك، وكذلك مع عدد من الشخصيات الّتي رأى السيد الجمني فائدة في التعرف عليها والتحادث معها، بل كان منفتحا للغاية عندما استجاب لطلب شخص أجنبي رغب في إسداء نصائحه لإدعائه الدراية بالسياسة المتصلة بأوضاع تونس ومستقبلها .
لكن جميع المساعي فشلت وقد أملتها على رئيس الحكومة المكلف حركة النهضة الّتي رشحته بناء على قرار من مجلس شوراها وبتزكية من رئيسها السيد راشد الغنونشي الّذي يترأس في نفس الوقت مجلس نواب الشعب.
لم تسفر -إذن- كل المساعي عن إيجاد المعادلة الّتي ترضي كل التشكيلات الحزبية و الطامحين إلى المشاركة في تسيير الحكومة الجديدة ، بسبب تشبث حركة النهضة بالاضطلاع بمهمة القيادة الفعلية لشؤون الحكم مقابل تمكين بقية الفائزين بالمراكز الأولى في الانتخابات التشريعية، - والشخصيات المقترحة الّتي تقبل تزكيتها- ، بمواقع أقل أهمية في الدولة.
أسباب هذا الفشل الّذي قد يكون مؤقتا ، يعود أساسا إلى إنعدام الثقة في حركة النهضة الّتي برهنت عند مشاركتها في الحكومات السابقة وطوال السنوات الماضية ، على أنها لا تحترم العهد و لا تلتزم بأي ميثاق ،و كان أول دليل على ذلك ، تمطيط مدّة المجلس التأسيسي من سنة إلى ثلاث سنوات و حرصها على المرور على أغلب الوزارات و زرع أتباعها والموالين لها في مختلف المراكز و رفضها مراجعة التعيينات في كل مراحل تواجدها في الحكم.
هذا التعطش الظاهر إلى التفرّد بالسلطة، وهذه العجلة في استغلال حيازة المرتبة الاولى في التشريعية ، جعلا حركة النهضة تختار الشخصية الّتي تقبل السير بهدي من مجلس الشورى وبالخصوص رئيسها الّذي لديه رغبة جامحة في تحقيق حلمه في أن يرى الإسلام السياسي يجني ثمرة «جهاده» بأن تكون تونس مشروع بناء كيان أكثر قربا من الخلافة، و ذلك بعد تفكيك الدولة الحديثة و تجزئتها إلى مراكز قوى وكيانات توصف بالمستقلة ولكنها تخضع لتقاسم النفوذ فيها، وما استعصى منها، ما يزال معلّقا إلى حين توفّر الظروف الّتي تراها النهضة ملائمة.
لقد سبق أن تساءلنا هل أن خطّة النهضة ستنطلي على الفاعلين في المشهد السياسي؟ خاصة إزاء خطاب الإستقواء التي انتهجته دون أن يكون لها رصيد حقيقي للقوّة ، و طبق منهجية فصل المسارين البرلماني والحكومي الّتي اعتمدتها، بغاية التدرج في المسك بجميع دواليب السلطة . و جاء الجواب في هذه المرحلة الاولى من مشاورات تشكيل الحكومة ، واضحا ، بأن الخطة لم تنطل.
والأكيد أن حركة النهضة ستعيد خلط الأوراق وستواصل مساعيها و لو باللّجوء إلى الهرسلة وبث الانقسامات في صفوف معرقليها لبلوغ غايتها.
إن اختيار النهضة لشخصية راضخة لإملاءاتها و عدم قبولها بتكليف شخصية مستقلّة في مرحلة أولى، ورفضها التخلي عن حقيبتي الداخلية والعدل في مرحلة ثانية ، كشف عن مدى رفضها لتقاسم السلطة وعدم اقتناعها بالتشارك الّذي رفعت شعاره.
كما كشف رجوعها إلى خطة البحث عن أرضية تفاهم مع حزب قلب تونس ،استعدادها للتحالف مع أي كان لضمان فرض إرادتها في تطبيق دقيق لمقولة -الغاية تبرّرُ الوسيلة - و هو ما قد يدفعها إلى تقديم تنازلات في المرحلة القادمة لتحقيق نفس الغاية.
وكما سبق تأكيد ذلك ،فإنه لا وجود لأي رؤيةاستراتيجية لتجاوز المصاعب الّتي تعيشها البلاد، ولا تمتلك النهضة و حلفاؤها الحاليون برنامجا اقتصاديا و اجتماعيا واضح المعالم لمجابهة مقتضيات المرحلة المقبلة الّتي تتلخّص في النهاية في كيفية تحديد موارد جديدة للدولة وإيجاد حلول عاجلة و آجلة لتجاوز الأزمة.
لا مناص للنهضة من الإقرار بأنها فشلت في أجل الشهر الأول في تشكيل الحكومة و هو فشل لا يحسب على رئيس الحكومة المكلّف، لأن النهضة أعلنت منذ البداية أن من سترشحه سيطبّق خيارات مجلس الشورى ، فحشرت نفسها في ركن ضيّق ،و وضعت عراقيل مسبقة ، ولم تتمكن من إقناع الكفاءات الّتي كان بالإمكان التعويل عليها.
لذلك لا خيار للنهضة -إذا رغبت في تجنبّ التوتر وفي سياق الإيهام بتجاوز المأزق الّذي وضعت نفسها فيه- غير تقديم تنازلات لإيجاد حلول ظرفية لا نرى لها آفاقا لإخراج البلاد ممّا هي فيه.