ما ينسى النواب هذا اليمين ، فينصهروا في كتل لا مهمّة لها غير الدفاع عن الخيارات الحزبية والتكتلات، مما يفرغ القسم من محتواه.
فالنواب الّذين حازوا مقاعد نيابية تحت يافطة تشكيل حزبي ، لا يؤدون نفس القسم عند الإنخراط في أحزابهم ، بل لا يؤدون حتى اليمين على الولاء لتوجهات تلك الأحزاب ، لذلك يتنصل النواب من الولاء للوطن تحت قبة البرلمان ، وينخرطون في معارك الدفاع عن مصالحهم الحزبية والخاصّة، و يدافعون أحيانا عن توجهات مخالفة لتوجهات أحزابهم تؤدي في أحيان كثيرة إلى التنقل بين عدة أحزاب في مدّة نيابية واحدة.
وأول آثار هذا التنصل الغياب عن الجلسات العامة وعن جلسات اللّجان، وعدم الإكتراث بمناقشة المشاريع أو التصويت، كلّما تراءت لهم انعدام المصلحة أو الجدوى من حضورهم.
هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم ، وإنّما هي عادة أصبحت متأصلة في مختلف الفترات النيابية، و أدت إلى كوارث في قوانين، لا يعرف النواب تبعاتها إلا بعد الاصطدام بها عند تطبيقها.
هذا ما تابعناه في الجلسة العامة الخاصة بميزانية الدولة و تابعنا آثاره في بداية هذه المدّة النيابية ، فغاب عن ذهن العديد من النواب أنهم أصبحوا يمثلون الشعب بأكمله في البرلمان و لا يمثلون أنفسهم أو جهاتهم أو أحزابهم أو أصحاب النعمة عليهم . لقد غاب عنهم أن كل ما يشرعونه سيصدر بإسم الشعب، لذلك يجب ألاّ يتناسوا أن لكل صوت أثر، وأن الأغلبية يمكن أن تتشكّل بغيابهم ، وأن ما يصدر من قوانين سيحكهم.
هذه المقدمات من المعارك الحزبية داخل البرلمان تمثل مؤشرا على مستوى النقاش المنتظر في المدة النيابية الجارية الّتي سبق أن أكدنا أن تونس ستعود خلالها «إلى نفس المربع الّذي كانت فيه، ولكن بوجوه جديدة وبخطاب مغاير وبلمسات خاصّة، وشعارات مبتكرة ستعيد فتح واجهات ومواجهات سياسية وعقائدية لم تحسم في فترة حكم الترويكا، دون النفاذ إلى حل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الّتي قد تزداد استفحالا».
لذلك ظهر مشروع صندوق الزكاة الّذي بادرت إحدى البلديات بالإعلان عن بعثه على مستوى بلدي! (وهو مشروع يرمي إلى سحب دور الدولة و فتح أبواب أخرى غير خاضعة لمراقبة بعض مصادر التمويل، وهو موضوع يستحق وقفة أخرى.
كما ستظهر عدّة مشاريع أخرى (نائمة) سيُعاد الخروج بها ، لتكريس تصورات تخدم أساسا مشاريع حركة النهضة وأتباعها والموالين لها.
لقد سمعنا - رغم حجب الصوت والصورة أحيانا(وهو منحى جديد في اتجاه خنق حرية التعبير ..) - كلاما لا يُعقل أن يصدر عن نائب شعب ، كما لاحظنا شعارات «رابعة» داخل قبّة البرلمان و ما تحمله من دلالات لتمجيد التشدّد الّذي يُعدّ ركيزة من ركائز التنظير للإرهاب .
إن ما يهدّد العمل النيابي والوظيفة التشريعية لمجلس نواب الشعب هو السعي إلى إضفاء الشرعية للتوجهات الحزبية المخالفة لقيم الدولة المدنية و قيم الجمهورية وثوابتها، ويمر هذا عبر التكتلات الحزبية ومنها تلك الّتي تنخدع بالمصلحة الظرفية الّتي تُبقيها في نطاق ممارسة السلطة ولو بواسطة ،أو تهادنها لفترة ما.
كما تتوفر مساعي تمرير المشاريع المخالفة لقيم الدولة المدنية ، انجرار قوى الحداثة والوسطية وراء معارك جانبية تلهيها عن تطلعات القواعد وعن أوسع فئات الشعب، وتحشرها في معارك ذات تبعات شعبوية يصعب فيها مجال الحوار العقلاني، ويسهل فيها تمرير الخطب الشعبوية والضرب على وتر المخيال الشعبي العام.
صوت الشعب أم أصوات الأحزاب في البرلمان؟
- بقلم المنجي الغريبي
- 11:07 11/12/2019
- 1737 عدد المشاهدات
عندما يؤدي النواب اليمين فإنهم يقسمون بأن يخدموا الوطن بإخلاص وأن يلتزموا بأحكام الدستور وبالولاء التام لتونس . ولكن سرعان