مجلس نواب الشعب يناقش مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2019... ويصادق عليه بعد اضطراب كبير «مِن المَـرْسَى...»

يوم أمس كان مجلس نواب الشعب مع أول مناسبة جدية للنقاش العام وكان ذلك بمناسبة عرض مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2019 على الجلسة العامة..

لقد كانت الساعات الطويلة لمداخلات النواب من كل الكتل مفيدة للغاية إذ ترسم نبض هذا البرلمان في بداية عهدته الانتخابية..

كما عهدنا في البرلمان السابق وسلفه المجلس التأسيسي تدخلات عديدة لنواب من جل الكتل كانت بوضوح خارج الموضوع تماما ولم تلج مطلقا موضوع النقاش المخصوص.. أما المداخلات التي تناولت مشروع القانون المعروض عليها فغلبت على جلها المقاربات الإيديولوجية أو السياسوية المغرقة في الانتصار لموقف قبلي بغض النظر عن المعطيات المتضمنة في هذه الميزانية التكميلية.. وكأن الأساسي كان إعلان الموقف السياسي العام أمام العموم بقطع النظر عن الإضافة المرجوة في هذا الموضوع بالذات..

ولكن الملاحظ من خلال متابعة هذه الساعات الطويلة من النقاش هو عدم إلمام عدد هام من النواب المتدخلين بأبجديات الاقتصاد،لا نقول بعلم الاقتصاد فذلك مجال المتخصصين، بل بالثقافة الاقتصادية العامة وبحسن قراءة الأرقام وبتقدير الأحجام والنسب كأن يتساءل بعضهم كيف تكون لدينا صابة حبوب وتمور وزيتون هامة دون أن ينعكس ذلك بصفة واضحة على نسبة النمو،أو الحديث عن جوانب جزئية تهم جهة معينة والتساؤل عن غيابها عن مشروع قانون المالية التكميلي!!

أو القول بأن ميزانية تونس هي في حدود 10 مليار دينار الخ..

هنالك ولاشك مداخلات في العمق قد طرحت الأسئلة الضرورية كمسألة «تجميل» عجز الميزانية بالإمساك عن صرف مستحقات العديد من مقاولي الأشغال العمومية حتى لا ترتفع نسبة العجز، كما أن التساؤل حول الديون المؤجلة الدفع مسألة جدية أيضا كما أن النقاش حول الفرق الشاسع بين فرضيات ميزانية 2019 وبين ما تم تحقيقه فعلا وخاصة في سوء تقدير نسبة النمو التي ستنزل من %3.1 المقدرة في الميزانية الأصلية إلى حوالي %1.2 فعليا كما أن التساؤل حول حقيقة الجهد الاستثنائي لتعبئة الموارد الجبائية وهل انه ناجم عن الترفيع في قدرات الاستخلاص لوزارة المالية ام انه كان نتيجة تفعيل الفصل 72 مكرر من مجلة المحاسبة العمومية والقاضي بتوظيف خطية بـ%1 في الاستخلاص من المبلغ الجملي للدين عن كل شهر تأخير وذلك بطلب من هيئة مكافحة الفساد وانه قد تم إدراج هذا الفصل بمفعول رجعي بداية من سنة 2003.. أي أننا أمام مداخيل جبائية استثنائية لن تتكرر في السنوات القادمة..

كل هذه القضايا هامة وقد جاءت ردود وزير المالية السيد رضا شلغوم لتوضيح العديد من هذه النقاط ولكن يبقى الأساسي هو في صدقية المعلومات الواردة في مشروع المالية التكميلي وأنها منبثقة من منظومات معلوماتية لا يمكن لأحد أن يتلاعب بها..

وما ينبغي الإقرار به هنا هو جدية عمل كل مؤسسات الدولة من بنك مركزي ومعهد وطني للإحصاء ووزارة المالية وغيرها وان الأرقام التي تنتجها هي أرقام ذات مصداقية عالية بدليل اعتماد الجهات الدولية عليها..

الإشكال في تونس ليس في صدقية المعلومات والأرقام الرسمية بل في الضعف الهيكلي للاقتصاد الوطني وفي هذا النمو الهش الذي امتد خلال كامل هذه العشرية وعن عدم قدرة البلاد القيام بالإصلاحات الضرورية في الوقت المناسب لها بما زاد في تعقيد الوضعية المالية للدولة فتفاقمت مديونية البلاد كما أننا نشاهد نموا مخيفا لا فقط للاقتصاد الموازي بل وللاقتصاد الطفيلي غير المنتج والمعتمد فقط على استيراد الموارد الاستهلاكية وبيعها في السوق الداخلية دون أية قيمة مضافة تذكر..

المشاكل الاقتصادية لتونس ضخمة والإصلاحات عسيرة ولكن المقلق حقا هو ألا يكون العديد من نواب الشعب مدركين فعلا لهذه الرهانات ولديهم القدرة على فهمها والتفاعل معها والقدرة على اقتراح الحلول لمجابهتها..

لقد انتخب الشعب نوابه وهذا لا مراء فيه ولكن تقع على عاتق مختلف الكتل وكذلك على مجلس النواب مسؤولية الرفع من قدرات السلطة التشريعية في إدراك جيد للاقتصاد الحقيقي التونسي.

ولكن من اغرب ما شاهدنا يوم أمس الطريقة التي تعاملت بها العديد من الكتل مع مشروع القانون هذا اذ تم اسقاطه في مناسبة اولى مع علم الجميع بان تواصل الدولة ووفائها بتعهداتها يقتضي حتما المصادقة على هذه الميزانية التكميلية دون ان يعني ذلك رضا عن مضمونها أو عن اكراهاتها وكانه كان ينبغي أن يرى الجميع عبث ما وصلت اليه الجلسة العامة لتتم مشاورات آخر لحظة حتى تعدل اغلبية الحاضرين موقفها وتصادق عليه بعد اضطراب سير الجلسة وتفتق قريحة بعضهم على قراءات قانونية بهلوانية لتعريف الاغلبية في عملية التصويت ومزايدات انتخابوية سابقة بكثير لأوانها..

السنوات القادمة ستكون عسيرة جدا اقتصاديا وماليا والبلاد تحتاج الى برلمان ذي قدرة فائقة للتفاعل التشريعي السريع حتى نجنب البلاد هزات لا تكون قادرة على مواجهتها..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115