أن تكون فقط شكلية يقع فيها التسليم والتسلم بين البرلمان الماضي وهذا الجديد الوافد ويتم فيها قراءة القسم الدستوري وكذلك انتخاب رئاسة المجلس أي الرئيس ونائبه الأول فالثاني، ولكن هذه المرة انتخاب الرئاسة ولاسيما الرئيس لن تكون شكلية ولا هيّنة كذلك بل هي مؤشر أساسي على حقيقة التحالفات المعلنة أو الخفية بين مختلف مكونات هذا المجلس الجديد.
الإشكال الأساسي في هذه الجلسة الافتتاحية هو في تأويل الفصل 11 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب والذي يفترض الأغلبية المطلقة للأعضاء (109 صوتا ) في انتخاب الرئيس في الدور الأول ويصمت عن توضيح نوعية الأغلبية في الدور الثاني، فهل سيتم دوما الاعتماد على الأغلبية المطلقة للأعضاء؟ أم سيقال بأن منطق الانتخاب على دورتين يفترض الأغلبية البسيطة في حال اللجوء إلى الدور الثاني مهما كان عدد المقترعين؟ لو حصلت تفاهمات الربع ساعة الأخير وتمكن رئيس حركة النهضة والمرشح لرئاسة مجلس نواب الشعب من الحصول على الأغلبية المطلقة للأعضاء منذ الدور الأول لكفى الله المؤمنين شر القتال ولكن لو تم المرور الى الدور الثاني ولم يحصل مرشح النهضة على الأغلبية المطلقة للأصوات (109) رغم تقدمه فلا احد يمكنه التنبؤ بما ستكون عليه الجلسة من لغط وهيجان وسباب واتهامات متبادلة باختراق القانون وبممارسة الإقصاء علما وان رئيس الجلسة المؤقت ما هو إلا راشد الغنوشي ذاته بحكم عامل السن فهل سيجد نفسه في وضعية يكون فيها هو الخصم والحكم في آن ؟ !
لاشك أن وضعية كهذه هي في أذهان الجميع : النهضة وحلفاؤها المفترضون من جهة (ائتلاف الكرامة والتيار وبدرجة اقل حركة الشعب ) وخصوم الحركة الإسلامية من جهة أخرى .
لا مصلحة مطلقا لحركة النهضة ولرئيسها في وضعية كهذه تبعث على الشك والريبة مهما كانت سلامة القراءة القانونية من عدمها ولا ريب لدينا بأن الحركة الإسلامية ستسعى في الساعات المتبقية قبل انعقاد الجلسة الافتتاحية إلى حشد كل الضمانات الممكنة في إطار اتفاق شامل يجمع بين المسارين الحكومي والبرلماني ويكون هذا مبدئيا مع شركائها المفترضين وأساسا التيار الديمقراطي وحركة الشعب وائتلاف الكرامة ولكن حتى في هذه الصورة فالنهضة لن تكون مطمئنة لأنها لا تمثل مع هذه الكتل الثلاث سوى 110 نائبا وهو ما يجعل أغلبتها هشة للغاية ويفرض عليها البحث مع كتل أخرى (تحيا تونس ؟) أو نواب مستقلين إلى عقد اتفاقات تجنب زعيم الحركة امتحانا قاسيا هذا اليوم .
وفي غياب اتفاق شامل بين النهضة وشركائها المفترضين يمكن أن تعمد الحركة الإسلامية الى اتفاق برلماني صرف تتبادل فيه مع الكتل الاخرى منافع التحالف النيابي كموقع نائب اول لرئيس البرلمان او منصب النائب الثاني علاوة على رئاسة بعض اللجان التي قد توفرها النهضة لحلفائها البرلمانيين، وهنا نقصد بالذات كتلة تحيا تونس وكتلة الاصلاح الوطني الجديدة . ولكن خاصة كتلة قلب تونس ونوابها الـ38 والقادرين لوحدهم على تعويض التيار وحركة الشعب في صورة تعثر المفاوضات الشاملة بينهما وبين قيادة حركة النهضة،ولكن هذا بالطبع يستوجب انقلابا جذريا في خطاب حركة النهضة لتبرير «شراكتها» البرلمانية مع قلب تونس ..
لسنا ندري ما الذي ستحمله ساعات الليلة الأخيرة من يوم الثلاثاء ولا مفاوضات فجر اليوم الأربعاء، ولكن السيناريوهات مفتوحة على اكثر من إمكانية ولعلنا في الأخير نجد أنفسنا امام تكرار سيناريو البرلمان السابق عندما طلب نائب ندائي تاجيل الجلسة الافتتاحية مع تركها مفتوحة حتى تستكمل التوافقات بشان تشكيل رئاسة المجلس وحينها لم يكن التوافق الندائي النهضوي قد اتضح ، ولكن انتخاب عبد الفتاح مورو كنائب اول للرئيس بعد ان انعقدت الجلسة من جديد كان هو المؤشر الفعلي لبداية حكم «التوافق» ..
فهل نشاهد سيناريو مماثلا غدا ؟ ام ان حركة النهضة ستجد في النهاية توافقا شاملا مع شركائها المفترضين حتى وإن تحتم تاجيل جلسة الافتتاح كما كان الحال في 2014؟
اليوم الفرجة مضمونة وكالعادة البقاع محدودة للغاية .