أيضا طبيعة التحالفات التي ستحكم،نظريا،كامل العهدة النيابية أو على الأقل بداياتها الأولى ..
لاشك أن «معركة» رئاسة الحكومة لن تكون غائبة عن احد ولكنها ستترك لـ«معركة» رئاسة البرلمان صدارة الأحداث مؤقتا في انتظار أن تشتعل من جديد ما بين انتخاب رئاسة المجلس ونهاية الأجل الدستوري لتكليف من ستعينه النهضة لرئاسة الحكومة أي يوم الجمعة مع منتصف الليل .
لقد اختارت حركة النهضة خلال الدورة الأخيرة لمجلس شوراها أن تركز كل جهودها حول «معركة» رئاسة البرلمان والتي رشحت اليها رئيسها راشد الغنوشي ،وقالت الحركة الإسلامية بوضوح بأنها ستجعل من هذه «المعركة» الاختبار الفعلي لكل تحالفاتها القادمة وبالتالي لكل «الامتيازات» الممكنة لشركائها المفترضين ،أي أن من يصوت لمرشح النهضة لرئاسة البرلمان ،على الأقل في الدورة الثانية من انتخاب الرئيس بإمكانه أن يطمح إلى تمثيلية محترمة في رئاسة المجلس أولا (النائب الأول أو النائب الثاني للرئيس) وكذلك في رئاسة اللجان.
النهضة تريد استعمال تكتيك المرور بقوة وان تمنع حلفاءها المفترضين من ممارسة «البيع المشروط» أي من فرض شروط تفاوضية بالجملة تهم كلتا الرئاستين (البرلمان والحكومة)بل تريد فرض نسقها الخاص والتأكد من فوز مؤسسها برئاسة البرلمان والوقوف عند من صوت لفائدتها او صوت ضدها أو من عمل على الإطاحة بها ثم النظر بعد ذلك في التحالفات الفعلية التي تم اختبارها والتأكد من صلابتها في «معركة» رئاسة المجلس .
يبدو أن هذا التكتيك الجديد قد باغت الى حد ما شركاء النهضة المفترضين (وهما دوما التيار الديمقراطي وحركة الشعب ) إذ بإمكان الكتلتين الإطاحة برئيس النهضة في البرلمان ولكن يفترض ذلك التصويت بكثافة كبيرة لمنافسه في الدور الثاني والذي قد يكون على الأرجح رضا شرف الدين مرشح حزب «قلب تونس» وهذا مالا يمكن لهذين الحزبين تبريره أمام قواعديهما وقياداتيهما دون تحالف الكل مع الكل ضد النهضة، فظفر راشد الغنوشي برئاسة المجلس ليس مضمونا وسوف يصطدم المجلس النيابي الجديد بغموض الفصل 11 من النظام الداخلي حول طريقة انتخاب رئيس المجلس فهل تكون الأغلبية المطلقة للأعضاء (109) هي دوما المطلوبة حتى في الدور الثاني أو الثالث، أم أن هذه الأغلبية مطلوبة في الدور الأول ولا تطلب في الدور الثاني ..؟
في صورة التأويل الثاني سوف لن تحتاج النهضة لحلفائها المفترضين اما في صورة التأويل الأول (وهو الأقوى دستوريا وما يبدو ان برنامج اليوم الافتتاحي قد حصل على أساسه) فتصبح النهضة محتاجة لحليفيها المفترضين الاثنين اذ لا تتوفر النهضة حاليا إلا على حوالي 80 صوتا وتبقى منقوصة من زهاء الثلاثين وهذا ما يفترض ضرورة دعم التيار وحركة الشعب لها مقابل اختيار «تيّاريّ» لمنصب النائب الأول وآخر من حركة الشعب لمنصب النائب الثاني وعندها نكون امام ترويكا جديدة على الاقل على المستوى النيابي .
معضلة الأغلبية المطلقة ستصاحب هذا البرلمان الجديد منذ جلسته الأولى،وهي معضلة كانت غائبة في التأسيسي وفي البرلمان السابق ولاسيما في السنوات الثلاث الأولى منه، أما اليوم فمن غير المستبعد أن نجد أنفسنا في مأزق منذ البداية بالا يحرز أي مترشح للرئاسة على الأغلبية المطلقة للأعضاء (109 صوتا) لا في الدور الأول ولا في الثاني ولا حتى في الألف خاصة اذا ما استحال التوافق القبلي بين النهضة وشركائها .
وهكذا قد تتحول سياسية «المرور بقوة» إلى زقاق أو الى متاهة وقد تدفع الخشية من هذا المآل حركة النهضة الى تقديم تنازلات جدية لشريكيها المحتملين أو إقناعهما بضرورة اقتسام رئاسة المجلس اليوم وتأجيل الخلاف على رئاسة الحكومة إلى ما بعد الجلسة الافتتاحية للبرلمان اي الفصل بين المسارين البرلماني والحكومي والقبول بالتحالف في الأول في انتظار مآلات مفاوضات ربع الساعة الأخير حول اسم صاحب (ة) القصبة المكلف (ة)..
معركة البرلمان ستكون أساسية وربما أيضا مفصلية في معرفة ما إذا كانت البلاد تتجه إلى حكم مستقر إلى حد ما أم إلى أزمة سياسية مفتوحة مآلها المحتوم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في الربيع القادم .