التصريح الرسمي للتشريعية: مـــاذا بعـــد ؟

طويت صفحة الإنتخابات التشريعية لسنة 2019 بعد الإعلان الرسمي عن النتائج النهائية للإنتخابات التشريعية بعد استيفاء كل الطعون القانونية.

و رغم «الإفتخار» بحصول الهيئة على درع السلام و الإنسانية من المسماة « المنظمة الدولية للحوكمة المحلية الأمريكية ،فإن رئيس الهيئة العليا المستقلّة للإنتخابات لم يكن له أن يخفي ما اعتبره تململا تعيشه الهيئة بسبب تصريحات بعض الأعضاء، ولجوئه إلى القضاء لطلب تتبع عضوين من الهيئة وجها الإتهام للهيئة بشبهة الفساد المالي والإداري و الاختراق الأجنبي (حذار من الربط بين الدرع و الإختراق الأجنبي)

كما لم يفت رئيس الهيئة التأكيد في نفس الوقت على أن الانتخابات كانت «ناجحة وناجعة» .

هذا التقييم الذاتي الإيجابي للعملية الإنتخابية صدر مّمن كان في داخل الآلة الّتي كانت تتحكّم في العمليات الإنتخابية و لا من خارجها ، أي لم يصدر عن المعنيين بالإنتخابات من الأحزاب و المراقبين المحليين الّذين تابعوا عن كثب مختلف العمليات الإنتخابية . و قد كان على الرئيس تنسيب عمل الهيئة و لو بالتعلّل بصعوبة رصد ما يمكن أن يكون قد فاته أو أغفله في مختلف الدوائر الإنتخابية ، أو التعلّل بضعف الإمكانيات و إكراهات روزنامة مختلف الاستحقاقات الانتخابية .

لذلك لا يمكن الحديث إلا عن نجاح نسبي بسبب ما سجّله عموم الناس و المراقبون من إخلالات و تجاوزات ، حصلت في الواقع و لكنها لم تثبت قضائيا بسبب إخلالات إجرائية في الإثبات أو في الطعن ،و الدليل على ذلك رفض العديد من الطعون شكلا .

و لكن إذا أمكن تنسيب نجاح الانتخابات فإنه لا يمكن اعتبار الانتخابات ناجعة خاصّة و أن جميع الأحزاب تقريبا و كل الحقوقيين و المختصين يقرّون بأن النظام الانتخابي في تونس غير ناجع لذلك يدعو أغلبهم إلى تعديله .

هذا النظام الإنتخابي بإعتماده على أفضل البقايا شوّه العملية الإنتخابية فأفرز الصندوق نتائج غير منتظرة ، ستكون محل متابعة مجرياتها خلال الأسابيع القادمة بعد نشر النتائج الرسمية بالرائد الرسمي وتبليغها لرئيس مجلس نواب الشعب الذي سيحددّ موعد الجلسة الافتتاحية الّتي سيتولّى خلالها النواب الجدد أداء اليمين . كما سنتابع

مجريات هذه النتائج لفترة نيابية كاملة إذ لم يفشل الفائز الأول في الإنتخابات في تشكيل حكومة .

هذه الحكومة هي محل مشاورات يكثر اللّغط حولها ، و لكن لم تظهر ملامحها ،لأن الفائزين الأوائل يتمسكون بشروطهم و يسعون إلى فرض املاءاتهم السياسية ، رغم عرض حركة النهضة لما إعتبرته برنامجا يتضمن الخطوط العامة المجمّعة لكل الأطراف ، في محاولة لجرّ الأحزاب الأكثر تموقعا إلى صفها ، لتجاوز أزمة تمثيليتها الحقيقية .

لقد أصبح الجميع يلعبون «بالمكشوف» ، و بدا حزب «التيار الديمقراطي» أكثر واقعية في تحليله و لكن غابت عنه المنهجية ،عندما اشترط تمكينه من وزارات معيّنة . كما بدا حزب إئتلاف الكرامة ، مدفوعا إلى التنطّع و مشهرا لخطاب حاد محسوب و مخطّط له ، كي تظهر حركة النهضة أكثر» تعقّلا «،و هذه سمة علنية لتوجهات إئتلاف إسلام سياسي جديد .

أمّا بقية الأحزاب الفائزة ، فتبدو حائرة ، رغم التصريحات المتّزنة للسيد حاتم مليكي القيادي بحزب قلب تونس . فالظاهر أن هناك رغبة جامحة للإرتقاء لممارسة السلطة ،و لكن الخوف من الفشل ، ومن «تابعة» حركة النهضة، هو الّذي يحدّ من هذه الرغبة و يحبسها.

و الحقيقة أنه لا أحد يتبيّن إمكانيات تجاوز الازمة الاقتصادية والإجتماعية ، كما لا أحد يتبيّن إمكانية أفق العمل السياسي القادر على فرض السلم الإجتماعية و إرساء الحوارالبناء بعيدا عن المُغالاة و التهديد بتغيير النمط الإجتماعي وثوابته.

والإشكال الكبير أن الخوف من قرب النهضة لدى الأحزاب الفائزة الّتي تليها ، وعدم قدرة النهضة على تشكيل كتلة لوحدها ، تحوّل إلى هلع يسكن النهضة من الوقوف في آخر النفق دون أن تشرب من «العين» الّتي سعت إليها . و وراء ذلك خوف» محظوظي» الإنتخابات من خسارة مقاعدهم إذا تمت إعادة التشريعية، و بالتّالي لا مفر في أذهان أغلب الفائزين ، من اللّجوء لرئيس الجمهورية في النهاية لإيجاد المخرج المناسب ، فيقع تعيين شخصية تدلّ عليها النهضة في السر و تقبلها في العلن، فيتحمل الرئيس المسؤولية مع بقية المزكين و تخرج النهضة مرّة أخرى «كالشعرة من العجين».

فهل تنطلي ؟ و إن انطلت هل تستفيد البلاد في نهاية الأمر ؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115