اليوم يؤدي قيس سعيد اليمين الدستورية ويتسلم مهامه في قصر قرطاج: في رهانات العهدة الرئاسية

اليوم يتحول الرئيس المنتخب قيس سعيد إلى مجلس نواب الشعب لأداء القسم الدستوري وإلقاء كلمة بالمناسبة ثم يتحول إلى قصر قرطاج

حيث تتم مراسم التسليم والتسلم بين الرئيس المنتخب قيس سعيد والرئيس القائم بمهام رئيس الجمهورية محمد الناصر وعندها تبدأ العهدة الرئاسية الجديدة بصفة فعلية .

ماذا يمكن أن ننتظر من الرئيس الجديد وماذا يمكنه أن يفعل خلال هذه العهدة الرئاسية؟

في البداية لعله من المفيد أن نتحدث عن طرق التعامل المختلفة مع الرئيس المنتخب حتى قبل تسلم مهامه بصفة رسمية،وفي طرق التعامل هذه فخاخ كثيرة على رئيس الجمهورية تجنب الوقوع فيها : التقديس من جهة والشيطنة من جهة أخرى، وفخاخ التقديس اخطر على الشخص من فخاخ الشيطنة إذ ان الخطر يتأتى دوما من صفوف بعض المريدين (بغض النظر عن صدق نواياهم) اذ يصبح بها الشخص «القدوة» كما يقول ذلك بعض أنصاره سجينا لهذه الصورة النمطية المحنطة ويفقد بذلك إنسانيته وقربه الفعلي،لا المتوهم،مع الناس أما فخاخ الشيطنة فهي أيسر حالا وهي تقع بين فكي الاستجابة المطلقة أو الرفض المطلق لمن جعلوا من الارتياب من الرئيس المنتخب – عن خطإ أو عن صواب – إستراتيجية في حد ذاتها ..

ما ينتظره عموم التونسيين من خماسية قيس سعيد هي مسائل مختلفة جدا عن التقديس أو الشيطنة،فما ينتظره من صوتوا له او صوتوا لخصمه أو لم يصوتوا مطلقا هو وقف النزيف الذي طال بعض جوانب حياتنا اليومية والإسهام الفعلي في إرساء دولة نظيفة قوية وعادلة راعية للحقوق وللحريات الفردية والعامة،دولة قد استعادت فاعليتها وقدرتها على بداية تغيير أوضاع الناس ..

المفارقة الكبرى لخماسية الرئيس الجديد هي اعتقاده بان هندسة الحكم الحالية هي سبب مشاكلنا وان تغييرها جوهريا بقلبها رأسا على عقب هو بداية الحل ، ولكن انطلاقا من اليوم سيضطر الرئيس الجديد الى أن يتعاطى مع الشأن العام فقط انطلاقا من هندسة الحكم التي يرفضها وأن يقتنع نهائيا بأنه لن يكون قادرا على تغييرها كما يريد خلال كامل خماسية حكمه وان ينتبه إلى كل الإمكانيات التي تتيحها المنظومة الحالية كما هي حتى يستفيد منها للإسهام في تغيير أوضاع البلاد ..

المتاح أمام الرئيس الجديد متسع وإن كان لا يتحكم في اللعبة لوحده بحكم صلاحياته الدستورية وباعتبار احتمال مرافقة عهده لازمة حكم خانقة ببرلمان مشتت وغير قادر على إفراز أغلبية حكم طبيعية .

وهنا سنرى هل أن رئيس الجمهورية الجديد سيلقي بكل ثقله المعنوي والمؤسساتي لكي تتجنب البلاد في الأسابيع القادمة أزمة سياسة حادة لو لم تنجح أهم الكتل البرلمانية في تشكيل حكومة متجانسة تحظى بالحد الأدنى المطلوب من الإسناد البرلماني أم لا ..

بعبارة أخرى هل سنرى في الأسابيع القادمة الوجه السياسي لساكن قرطاج الجديد أم سينأى بنفسه عن الأحزاب ومشاكلها وحساباتها ولكنه سيجد نفسه بذلك في نوع من العزلة المؤسساتية لان جل ما يمكنه القيام به فعليا ينبغي أن يمر بدءا عبر بوابة الحكومة ثم أن تحظى مبادراته التشريعية بمصادقة مجلس نواب الشعب .
ولكن يبقى السؤال الأهم : كيف يمكن لرئيس الدولة الجديد أن يسهم بصفة واضحة في الاستجابة لرغبات التونسيين وهو ذو الصلاحيات المحدودة دستوريا ؟

الفصل 62 من الدستور يعطي لرئيس الجمهورية إمكانية التقدم بمبادرات تشريعية دون أن يحدد مجالها بأي شيء ،أي انه بإمكان رئيس الدولة أن يتقدم إلى المجلس النيابي بمبادرات تشريعية -تمر حتما على مجلس وزاري – في كل مجالات حياة التونسيين كما يعطي الدستور الى رئيس الجمهورية في الفصل 79 إمكانية مخاطبة مجلس نواب الشعب مباشرة .

والواضح أن هذين الفصلين يسمحان لرئيس الدولة بهامش تحرك كبير في مجالات شتى كإطلاق جملة من المبادرات التشريعية لإعطاء مضمون تربوي واجتماعي واقتصادي لمبدإ التمييز الايجابي المتضمن في الفصل 12 من الدستور او العمل على إصلاح منظومة التربية والتكوين بالتعاون مع الحكومة او رسم إستراتيجية للتنمية الاقتصادية والبشرية في تونس في افق 2050 بواسطة جملة من الدراسات يعدها المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجي.

بعبارة أخرى يمكن لرئيس الدولة وبالتعاون مع الحكومة ان يقدم على جملة من الإصلاحات الكبرى التي لا تتعلق بوزارة بعينها بل تتطلب جهدا تنسيقيا بين وزارت متعددة لانجازها وان يعطي الأولوية في كل هذه المبادرات التي يمكن ان تغير حياة الناس وتنهض باقتصاد البلاد وتسهم في بناء هذا الحكم المشترك لكل التونسيات والتونسيين ..

وهذا بالطبع يستوجب الا يكون رئيس الجمهورية أسيرا لفريق ضيق من المقربين منه مهووسا فقط بالتغيير الجذري لهندسة الحكم وأن يكون منصتا بعمق لما يعتمل في البلاد ومدركا لتعقيدات واكراهات الوضعية الاقتصادية للبلاد ..

الأكيد على كل حال اننا قد نجد في خطاب قيس سعيد اليوم بداية الأجوبة على طبيعة الخماسية التي يريدها لنفسه وللبلاد ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115