السابقة لأوانها ، بين الحاصلين على المرتبتين الأولى والثانية السيدان قيس سعيد و نبيل القروي
انتظار هذا الموعد لم يكن بنفس الحركية الّتي سبقت الدورة الأولى للرئاسية والانتخبات التشريعية ،لأن حلبة التنافس لن يؤمها عشرات أو مئات المترشحين المعنيين بالرهانات، بل ستقتصر على الشخصيتين اللتين اختارهما الناخبون المشاركون في عملية الإقتراع بنسبة تجاوزت الأربعين بالمائة بقليل .
إن الغمس الثالث للسبابة اليسرى في الحبر دليل المشاركة في الإستحقاقات الإنتخابية ،يشكّل بداية تحميل ماسكي السلطة المُنتخَبين، مسؤولية المستقبل القريب للبلاد ، و بداية مرحلة تقديم الحلول للمعضلات الّتي لم يقع حلها سابقا ، بداية من الدخول في وهج تشكيل الحكومة التي ستستهلّ المرحلة الجديدة من الحكم .
غدا بعد غلق صناديق الاقتراع ، ستتحوّل الأنظار إلى النتائج التي ستفرزها العملية الانتخابية و سيعرف المترشح الفائز رصيده الّذي سيكون سندا له عند إعتلاء كرسي قرطاج. كرسي الوجاهة و كذلك كرسي الواجهة الّذي سيميّز قدرة تونس على ضمان أمنها في الدّاخل و صورتها في الخارج، كي تحوز على الثقة وتستقطب الاهتمام و التقدير .
إذن سيكون رئيس الجمهورية الجديد معنيا بمجريات تشكيل الحكومة الجديدة ، وفي وضعية انتظار ،بعد استكمال الطعون في الانتخابات التشريعية والبت فيها و هو أمر قد يستغرق وقتا يتجاوز الأسبوعين .
تشكيل هذه الحكومة لن يكون أمر يسيرا، نظرا لفسيفساء مجلس نواب الشعب ،الّذي سيكون محكوما بالأغلبية الّذي يقتضيها التصويت على رئيس و أعضاء الحكومة . ورغم التقليل من شأن هذا الأمر ، فإن قراءة ما أسفرت عليه الانتخابات التشريعية في شكلها الحالي، يفضي إلى احتمال عدّة مخرجات ممكنة ، ولكنها تبقى هشة ، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار التجربة الّتي عرفها مجلس نواب الشعب والمتغيرات الّتي عرفتها كل الكتل . ولئن نجد في التركيبة الجديدة في المجلس شخصيات فاعلة في أحزابها ، فإن المطامح الشخصية ، تبقى قائمة و مؤثرة ، في نحت ملامح الأغلبية الّتي ستتحكم في توجهات السياسية الجديدة. والمكان الإعتباري للرئيس الّذي سينتخب اليوم، سيبرز منذ البداية عند متابعة الحوار حول تشكيل الحكومة ، و دوره في حل الخلافات المحتملة .
هذه المهمة الّتي يمكن وصفها بالتحكيمية، ستكون ضمن أولويات مهام رئيس الجمهورية، الّذي سيكون رئيس كل التونسيين، ضمان أمن الجمهورية و أمان مواطنيها ، وهو التحدي الأوّل الّذي ينتظر الرئيس الجديد بإعتباره أنه المعني بالدّفاع والأمن القومي . وهو تحد ذو بعدين: الحفاظ على ما تم انجازه من استقرار و نجاح من ناحية، ومن ناحية أخرى، تدعيم النجاحات بتحقيق مكاسب جديدة في إستبعاد تهديدات الارهاب و تأمين البلاد من تفشي الجريمة والإجرام المنظم .
النجاح في هذه المهمة الأولية ، أمر مطلوب و عاجل ، لذلك سيتعرّف الشعب على القدرات الفعلية للرئيس الجديد منذ الأشهر الأولى و سيحكم له أو عليه منذ البداية .
أما الجانب الثاني الّذي سيكون في الواجهة فيتمثل في الديبلوماسية السياسية والاقتصادية، الّتي يضع رئيس الجمهورية الجديد لمسته الأولى فيها . ففضلا عن احترام تعهدات تونس، تنتظر الرئيس الجديد ، عدّة ملفات عربيا ودوليا ، و هي ملفات ساخنة ، سيكون لاتخاذ المواقف المناسبة فيها ، تأثير على العلاقات السياسية والإقتصادية ،و على معالجة أوضاع البلاد لمجابهة انتظارات الشعب .
فوراء الأمرغدا ، بعد فرحة الانتصار، أمور جادة و حارقة ، لا تقبل الانتظار لمجابهة المصير و تبيّن المسار....