خلف شاشات تلفزاتهم،كما تابع هذه الحلقة الأولى عدة مئات الآلاف بهواتفهم الذكية بما يجعل من هذه المناظرات الحدث الأبرز والأهم في كل هذه الحملة الانتخابية ..
في اليوم الثاني (الأحد 8 سبتمبر ) تراجع عدد المتابعين نسبيا ليكون في حدود المليونين ونصف مليون مشاهد ولعل العدد يزيد في النقصان النسبي للموجة الثالثة والأخيرة التي جدت يوم أمس ولن تتوفر أرقام المشاهدة التلفزية إلا عشية اليوم .
ما الذي يمكننا أن نقوله عن هاتين الحلقتين من المناظرات الرئاسية وهل استجابت هذه التجربة لانتظارات التونسيين أم لا ؟ أي هل سمحت لهم بتعديل اختياراتهم أو تثبيتها أم لا ؟
لا نعتقد انه بإمكان أحد توقع اثر هذه المناظرات على عامة الناخبين خاصة عندما نعلم بأن نسبة اللاتحدد في الاختيارات مرتفعة وان الحيرة هي العلامة الأبرز لانتخابات 2019..
يمكن أن ننتقد الشكل والمفهوم والمضمون لهذه السابقة في تاريخ السياسة والإعلام في البلاد ، ويمكن أن نتفق كذلك بأن تطويرها مطلوب ولكن لابد من الإقرار - ورغم كل النواقص - بأننا كنا أمام تجربة رائدة، رغم رتابتها أحيانا،وأن غالبية التونسيين الذين تابعوها قد حصلت لديهم انطباعات وأفكار عن كل المترشحين باستثناء اثنين منهما وهما نبيل القروي وسليم الرياحي .. كما يمكن أن نقول بأن ابرز المستفدين هم بلا شك المترشحون المغمورون إلى حد ما الذين برزوا إلى العدد الأكبر من الناخبين الافتراضيين وأصبح عموم التونسيين يضعون الاسم الصحيح على الصورة وهذا في حد ذاته مكسب هام لكل هؤلاء،وقد يخرجهم من دائرة النكرات إلى الشخصيات الاعتبارية..
ولكن هل أن هذا كاف لتحويل هذا الظهور المشهدي الى تصويت يوم الاقتراع؟
سؤال سنجد الإجابة عنه بعد أيام قليلة ..
المناظرات في حد ذاتها تجربة فريدة في عالمنا العربي ولقد أعطت عن تونس صورة ايجابية واستثنائية رغم كونها تظهر لنا أحيانا رتيبة وغير مجدية ، ولكن هنالك فكرة جديدة مرت عبر هاتين الحلقتين وهي أن هنالك في البلاد طبقة سياسية جدية وقادة جديرون بالاحترام وشخصيات قد استعدت أكثر من غيرها لقيادة البلاد وقد تمثل اليوم حاضرها أو غدا مستقبلها ..وأعطت أيضا صورة مغايرة عن الحياة السياسية وعن النقاش الممكن داخلها .. لقد انتقلنا من الصراخ والخصام الذي ميز العديد من الحصص التلفزية السياسية وكذلك النقاش داخل مجلس نواب الشعب إلى حوار هادئ بين أناس لا يجمع بينهم شيء يذكر .. صحيح أن الشكل الذي فرضته المناظرات لا يسمح ب»الانفلاتات» كما يقال ولكن هذا الهادئ- والرّتيب أحيانا – سمح للمشاهدين بتكوين صورة مختلفة للغاية عن السياسية والسياسيين ..
الآن هل ستغير هذه الحلقات الثلاثة من التوازنات السياسية الحالية ؟
لا يمكن لأحد أن يجيب بدقة عن السؤال ..
فالتأثير سيكون هاما بل وضخما ولا احد يعلم في أي اتجاه سيكون ومن سيستفيد من هذه المناظرات ومن سيتضرر منها ..
الجواب سيأتينا يوم الأحد القادم ، ولكن قبل ذلك ستضفي هذه المناظرات بمن حضر فيها وبمن غاب عنها مزيدا من الغموض على التنافس الانتخابي، والأكيد الآن أن فروقا بسيطة تفصل بين مختلف المتنافسين وان الفرق بين الثاني المؤهل للدور الثاني والثالث وهو أول المنهزمين لن يتجاوز بعض آلاف الأصوات او على الأكثر عشرات آلاف الأصوات وقد يكون لهذه المناظرات دور في قلب الترتيب بل وفي إحداث المفاجأة كذلك ..
خمسة أيام تفصلنا عن الاقتراع وأبواب المتاح مفتوحة كلها وعلى مصراعيها كذلك ..