بانتخابه رئيسا للجمهورية، وذلك بتضمين هذا التعهّد بملف ترشحه وكان ذلك محل مجادلة بعد إعلان رئيس الحكومة عن تخليه عن الجنسية الفرنسية.
هذا التنصيص أطلق العنان للحديث عن الحق الدستوري في الترشح لرئاسة الجمهورية المبدئي رغم حمل المترشح لجنسية أخرى إضافة إلى الجنسية التونسية، دون النظر لتداعيات ذلك في ظل الأنظمة السياسية الّتي لا تمتلك تجارب ديمقراطية متأصّلة و ليست محكومة بمؤسّسات صلبة لا يُخشى من تبعيتها أو الضغط عليها، و دون الإلتفات إلى آثر سبق اكتساب المترشح لجنسية أخرى و ما تفرضه تلك الجنسية من التزامات على حامليها .
و المدافعون هن هذا الخيار الدستوري ، يتمسكون بحرفيّة النص الدستوري ولكنهم لم ينتبهوا إلى أن هذا الدستور لم يرتّب أثرا على عدم إحترام المترشح لتعهده ، كما لم يتطرقوا إلى كيفية إكتساب الجنسية الأخرى ، الّتي لا تُمنح لطالبها إلا بعد توفّر شروط متصلة بالولاء إلى قيم و قوانين الدولة الّتي منحت المترشح جنسيتها لتكون مضمّنة عادة بلائحة المواطنة المفترضة لكل دولة .
فقد يكون مكتسب جنسية أخرى لاجئا سياسيا تهرّب من التنكيل به أو من سياسة ظالمة أو من نظام دكتاتوري ، أو مضطرّا لممارسة عمل أو مهنة ، و لكن قد يكون أيضا هاربا من العدالة لجرم اقترفه في موطنه الأصلي، أو مسد لخدمات معادية لدولته لفائدة الدولة التي منحته جنسيتها، و بالتالي فإن حمل جنسية أخرى ليس جرما في المطلق ، ولكنه أمر يستحق التثبت و شأن لا يستهان به عندما يتعلّق الأمر برئاسة الجمهورية وضمان سيادتها.
ولئن كان التخلّي عن الجنسية يعني التخلّي آليا عن الولاء وعن لائحة المواطنة، فإن طلب التمتع بجنسية أخرى يعطي فكرة على مبادئ الشخص وعن مدى تشبثه بمواطنته الأصلية وقيمها، باعتباره يتقدّم كمترشح لتبوّئ منصب في أعلى هرم السلطة، ويجب أن يكون مؤهلا وكفءا و بعيدا عن كل الشبهات أو مواطن التشكيك في وطنيته.
و في هذا الصدد تم اعتبار عدم تصريح بعض المترشحين بإكتسابهم جنسية أخرى أو إخفاء ذلك رغم تحمّلهم مسؤوليات عليا ، مخالفا لمقتضيات الشفافية والنزاهة .
و قد سبق لنا أن نشرنا تغريدة على شبكة التواصل الإجتماعي (16 /8 /2019) أشرنا فيها إلى أن «من متطلبات النزاهة و الشفافية أن يتولى كل مترشح نشر سيرته الذاتية في تصريح علني على الشرف كي يأخذ الناخب فكرة على ما يتميز به المقبل على تحمل المسؤولية لتمثيل الشعب أو لقيادته...» ولكننا لم نلاحظ أي صدى لذلك، ونرّجح ألاّ يحصل ذلك لاحقا.
و الغريب أن المدافعين عن هذا الخيار الدستوري ، لا يتورعون عن الحديث على الأنظمة المقارنة في أمريكا أو الدول الأوربية ، متجاهلين أن الكذب أو المخاتلة السياسية أو نشر معطيات مغلوطة أو إخفاءها أفعال يعاقب عليها القانون في بعض الأنظمة و من بينها الأنظمة المحتج بها من بعض الإعلاميين.
كما يتجاهل هؤلاء أنه لا مجال للمقارنة بين الأنظمة الديمقراطية العريقة الّتي تحكمها المؤسسات و القوانين، و بين أنظمة الدول المتخلفة و الّتي هي في طريق النمو. ويتجاهلون أيضا أنه لا خشية للأنظمة المتقدّمة على مؤسسّاتها ، لأنها ليست محكومة بالتبعية الإقتصادية أو السياسية، على عكس الأنظمة المتخلّفة - رغم ملكية بعضها للمال الوفير – والتي لا تملك مصيرها بيدها ، لتخلّفها علميا وصناعيا، إلى درجة أنها لا تملك سلطة القرار المستقل داخلها ، و تخضع إلى إملاءات وضغوطات الدوائر المهيمنة في مختلف المجالات.
لذلك لا يعدّ توجها تقليديا تجاوزته الأحداث في محيطنا ، التشبث بأن يكون رئيس الجمهورية حاملا للجنسية التونسية و لم يكتسب غيرها، مع وضع شروط أكثر صرامة للترشح ، ولِمَ لا وضع شروط أكثر صرامة لتحمّل المسؤوليات العليا سواء أكانت متصلة بالسيادة أو بممارسة السلطات العليا والأمن القومي ، ،لأن ذلك من ضمن متطلبات تحصين القيم الوطنية المتجذّرة، والمصلحة العليا للبلاد.
و المـأمول أن نتابع و نسمع من المترشحين للرئاسية ، موقفهم من بعض الأحكام الدستورية الّتي أخذت من كل شيء بطرف ، وعدم نسيان الآلية الدستورية المتاحة ، الّتي تعطي إمكانية اللّجوء إلى الإستفتاء في بعض الحالات وأن يبرهنوا للناخبين أنهم يمتلكون البدائل لما ثبت فشله، و هم يتعهدون بالإصلاح الحقيقي.