وقد توصّلت أغلب هذه البحوث إلى نتائج مهمّة توضّح السلطة التي صار يتمتّع بها فايسبوك ودوره في إذاعة الأخبار السياسية والتصرّف في ‘هندستها’، وحجم الخطر المحدق بالعمليّة الانتخابية بسبب الاعتماد السيئ على الفايسبوك.
وبالإضافة إلى ذلك تشير الدراسات إلى أنّ فايسبوك لا يمكن أن يكون وسيطا تواصليا محايدا في النشاط السياسي بل هو قوّة تضاهي الأسلحة المستعملة في الحروب. ولذلك تُنبّه البحوث إلى ما يترتب عن توظيف الفضاء الفايسبوكي في العمليّة الانتخابية من نتائج وخيمة، إن كان على مستوى تزييف وعي الناخبين أو استدراج فئة منهم إلى ممارسة خطاب الكره، والتعصبّ، وتبادل العنف اللفظي،إلى غير ذلك من الممارسات وأنماط السلوك التي تؤثّر في المسار الديمقراطيّ، وتهدّد الأمن الاجتماعيّ.
ويدرك المتابع لتفاعلات التونسيين على فايسبوك وتعاليقهم قبل الدخول في مرحلة تسجيل الترشحات وبعدها أنّ فترة «الهدنة» لم تتجاوز الأيام الأولى من الحداد إذ سرعان ما استأنفت الكتائب الفايسبوكية نشاطها وحمي وطيس الحرب لاسيما بعد أن نزل ‘كبار الحومة للميدان’. ولعلّه من المفيد، في هذا السياق الذي استهدف فيه الناخب/ة في محاولة سافرة للعبث بالقيم والمبادئ التي تحكم العمل السياسي لفت النظر إلى ما يهدّد المسار الانتخابي الحالي. فقد لاحظنا خلال هذا الأسبوع تفشّي مجموعة من الأخبار الزائفة-الكاذبة Fake news. ، ومحاولات تضليل الرأي العامّ، واستغلال السياق الحالي لبثّ الفوضى، وتأليب المجموعات ضدّ بعضها البعض.
يبدو جليّا من خلال هذا النشاط الحثيث على الفايسبوك أن لا غاية لأصحاب هذه الحملات المسعورة ، والمنخرطين في «صناعة» المشهد السياسي الجديد سوى التأثير في الناخبين والتحكّم في إرادتهم ووعيهم وبنيتهم النفسية لينقادوا بيسر نحو أحزاب محدّدة أو مرشّحين محددين. ولاشكّ عندنا أنّ من يريد تطويع الآخرين لأهدافه ، والتصرّف في إرادتهم لا يكنّ لهم أدنى احترام بل إنّه يصرّ على تكريس نفس النظرة التقليدية التي كانت للحاكم تجاه الناخبين. فقد كان النظام يتعامل معهم على أساس أنّهم أرقام /أصوات في معادلة هو الوحيد الممسك بخيوطها. ومن هنا تعيّن على الناخبين أن يتحلّوا باليقظة، وأن يمارسوا العقلنة وضروبا من التأويل ليتوصّلوا إلى فهم الغايات المضمرة...
وإذا علمنا أنّ فايسبوك يمنحك ما ترغب في الاطلاع عليه أدركنا كيف يتدخلّ في حياة الناخبين وميولهم وأذواقهم و... فكلّما اعجب هؤلاء بخبر أو مقال أو صورة انهالت عليهم معلومات متشابهة وحجبت أخبار لا تفي بالغرض. وانطلاقا من ذلك صار الفايسبوكي تحت قبضة الإدارة توجهّه بكلّ يسر ولذا كان على الناخبين أن ينتبهوا إلى هذا الأمر وأن يحصّنوا ذواتهم حتى لا يكونوا مسلوبي الإرادة.
كانت القوى الليبرالية وراء ذيوع فايسبوك وتحوّله إلى قوّة ولكن أفادت قوى يمينية ومحافظة من فايسبوك فجعلته في خدمة مشاريعها وأيديولوجياتها ومن ثمّة وجب الانتباه إلى الخلفيات الثاوية وراء نظم الخطاب. فكم من خطاب نسب لقوى تقدمية/ديمقراطية... كانت غاية نشره وإعادة نشره في خدمة قوى محافظة جدّا ولذا كان على الناخب أن يتريّث قبل نشر الأخبار والفيديوهات وأن يتساءل ما الذي يجعلني أنخرط في هذا النشاط؟
هذه بعض المزالق والمخاطر وما خفي كان أعظم...
ولكن على من تقع مسؤولية حماية الفايسبوكيين/الناخبين ؟
في تجربة فتيّة وفي بلد الديمقراطية الناشئة والمسار المتعثّر لا يمكن التعويل إلاّ على الذات فعلى الجميع أن يغادر فضاء «التنبير» و«الشكوى والتذمّر» والوقوف على الأطلال والبكاء والنحيب على «الزمن الجميل» ليتحوّل إلى فاعل يقظ ومسؤول، ومراقب فطن لا يهدر وقته في الثرثرة بل في التدبّر...
ولنا في تجارب الشعوب والأمم عبر...إدارة حملة انتخاب ترامب مفتاح مهمّ.