جثث المهاجرين تفضح الصمت المخجل للفاعلين السياسيين

من المهمّ أن نتابع تصريحات الفاعلين السياسيين وتدويناتهم على صفحات الفايسبوك في هذا السياق الانتخابي حيث صار التنافس على أشدّه بين الخصوم،

وهو تنافس لا يقوم على تقديم البرامج وابتكار الحلول بل على مدى القدرة على أداء دور على الركح. وليس ما يعنينا في هذه العروض جودة الأداء وبراعة التأثير في الجماهير أو رداءة السيناريو والإخراج بل المضامين .فمن خلال رصد اهتمامات هؤلاء الراغبين في السلطة والمواقع وتحليل مواقفهم من عدّة قضايا تتعلّق بالشأن العامّ التونسي أو بالقضايا التي تشغل شعوب العالم يتسنّى للناخبين الفرز والتصنيف ثمّ تحديد الاختيارات.

نقلّب النظر في المواقف والآراء فنتبيّن أنّ تصريحات أغلب الفاعلين السياسيين تختزل في ردّ الفعل وكأنّه يعزّ على هؤلاء التموقع خارج اطر تستحضر الآخر/المنافس/الخصم/العدوّ. ولعلّ أبرز مثال دال على ذلك خطاب عبير موسي إذ لا يستقيم التفاعل مع الجماهير دون إبراز علاقة العداء المطلق «للخوانجية». ولكن يهمّ التونسيات والتونسيين اليوم تبيّن مواقف المترشحين للانتخابات التشريعية والرئيسية من قضايا لا تقلّ أهمية عن الإئتلافات السياسية، والسياسات الوطنية والخارجيّة وغيرها.

فبينما يركّز الإعلام العالمي على طريقة تصرّف الحكومة التونسية مع ملّف عودة «المقاتلين مع داعش» والنساء والأطفال، وقضايا تتصلّ بالعنصريّة والعنف وغيرها يلتزم المتسابقون على الكراسي بالصمت فيؤثرون التعليق على «العرس الكروي» بدل إبداء مواقفهم من حدث جدّ في تونس ولا يقلّ أهميّة عن «الكأس الإفريقية»، ونعني بذلك رفض فئة من التونسيين دفن عدد من ضحايا «الهجرة غير النظامية» الذين لقوا حتفهم في البحر وهم يبحثون عن مدن تستضيفهم.

ما الذي يمنع الفاعلين السياسيين من فتح باب النقاش حول «مقبرة الغرباء» المجاورة لموضع النفايات في جرجيس والتي تضمّ أكثر من ثلاثمائة وخمسين جثة؟ لم يمتنع الراغبون في تحمّل مسؤوليّة قيادة البلاد عن التعليق عن اتخاذ بلدية جرجيس قرار دفن الجميع في مقبرة جماعية ؟ لم لم نعثر على أي موقف لمترشح/ة حول رفض المجلس البلدي لقابس ودخيلة التوجان دفن مجموعة من «الأفارقة» الذين لفظهم البحر بدعوى أنّهم غير مسلمين؟ لم لم يعلّق أحد على طريقة نقل الجثث في شاحنات نقل النفايات؟

ليس أمامنا سوى فتح باب الفرضيات وتأويل سلوك من يزعمون أنّهم سيمثلّون التونسيين في مجلس الشعب.وليس التأمّل في أبعاد العزوف عن إبداء الرأي في مثل هذه القضيّة الإنسانية إلاّ محاولة لتبيّن ملامح المترشحين الّذين سنتحمّل مسؤولية تقليدهم المناصب لخدمة التونسيين.

يبدو السكوت، في اعتقادنا، علامة على اللامبالاة بهذه القضايا ذات البعد الإنساني وكذلك على محدودية الثقافة، وهو في حالات أخرى حجّة على توخّي «السلامة السياسية» من ذلك أنّ عددا من المترشحين/ات يرفضون مثلا إبداء الرأي في مطلب المساواة في الإرث حتى لا «يتورّطوا». ولكن السكوت عن رفض «تكريم الموتى بدفنهم» في بلد رفعت شعار الكرامة موقف مخجل بل أكثر من ذلك إنّ الإصرار على رفض دفن جثث «المهاجرين» الذين تحوّلوا إلى مجرّد أرقام لا معنى له سوى هيمنة فكر يصرّ على فرض الحدود بين الرجل/المرأة، الأبيض/الأسود، المسلم/غير المسلم... وعقليّة «البيض» المستعلين على سائر الأعراق.

لقد انطلق الموسم الانتخابي وتعدّدت عروض «الفروسية» وبدأ التنافس بين «الخيالة» والمتوشّين بالبندقية، وعلا الضجيج على وقع الطبل والزكرة والأناشيد... ولكن الأهمّ من كلّ هذا الولع بالمظاهر الفرجوية وعرض الذات على الركح أن يحدّد كلّ مترشّح/ة مواقفه من قضايا تتصل بالكرامة والتمييز الجنسيّ، والتمييز الجندري والتمييز العنصري...

فأمام عجز هؤلاء السياسيين عن ابتكار التصورات والبرامج ليس بإمكاننا أن نحاسبهم إلاّ على المواقف. وليس التعبير عن موقف الفاعلين السياسيين من إدارة ملف الهجرة وطريقة التعامل مع المهاجرين إلاّ وسيلة من بين وسائل أخرى متاحة لتبيّن هويّة الّذين يتهافتون على المناصب دون زاد ثقافيّ ورؤية أخلاقية لا تفصل الفعل السياسيّ عن البعد الإنسانيّ.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115